الفجيرة نيوز- (ناهد عبدالله)
ضمن فعاليات مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما نظمت اللجنة العليا للمهرجان مساء يوم الجمعة 24 يناير الجاري المسرحية المونودرامية “عشيات حلم” للمؤلف مفلح العدوان والمخرج فراس المصري والممثلة أريج الجبور من الأردن وذلك على مسرح جمعية دبا بمدينة دبا الفجيرة
وتعكس المسرحية المظاهر الاجتماعية والدينية والثقافية والتراثية بالأردن حيث تعبر عنها الشخصية بحركاتها الشفافة وإيحاءاتها المستوحاة من شعر مصطفى وهبي التل (عرار) وحياته التي ناضل فيها من أجل الحرية والمساواة والعدالة بريشته وحنجرته الجياشة”، فتبدأ أريج الجبور الممثلة التي قامت بأداء شخصية العمل بمناداة الشاعر واستحضار حياته وبطولاتها بمشاعر مفعمة بالأسى ورجاء ليس له صدى، فتشعر بأنها توزع نشرات أخبار تحلم بأن تسطر حروفها على المسرح حينما يكسر الضوء زمن الدخان ليركز إنارته على الموضوع الذي يريد أن يركز عليه ويتكلم عنه كأنه ينبعث من نبرات شعر يسير على إيقاع الأنفاس الحالمة بالزمن الضائع الذي ستبني بحضوره زمن القصيدة الشعرية بوحدة التجربة الشعرية الممتدة من 25 أيار 1899 إلى 24 أيار1949، فإذا بها تستحضر تلك اللحظات الاستثنائية فتتغنى بكلمات الشاعر قائلة:
ماذا على الناس من سكري وعربدتي؟
ماذا على الناس من كفري وإيماني؟
إلى أن تقول:
ماذا على الناس من حبي مكحلة؟
بين الخرابيش أهواها وتهواني
والجدير بالذكر أن المسرحية حصلت على الكثير من الجوئز في مختلف الفعاليات الأدبية.
وبعدها انتقل الجمهور إلى مسرح بيت المونودراما المقابل لمسرح جمعية دبا للاستمتاع بالعرض الثاني من استراليا “نساء مدانات – منفى مدى الحياة” للمؤلف جولانتا جوزكيويتش والمخرج أناتولي فروزين وجولانتا جوزكيويتش وهي من أداء جولانتا جوزكيويتش .
وفي هذا العرض تتقمص جولانتا شخصية المرأة الأسترالية التي دفعتها لعنة الفقر لارتكاب الكثير من الجرائم في سبيل تأمين لقمة العيش لها ولأطفالها فتلهث وراء المال بخطوات غير محسوبة حتى تضيع في ضباب الشوارع لتشبع غريزة الجوع في القمامة وغريزة آدم في الغرف المغلقة وتحملها شياطينها المغلوبة إلى السرقة، لتضعنا تماما في قلب الحدث عندما كانت النساء في زمن الثورة الصناعية يعملن في مجال الخياطة باليد لكن المهنة لم تفلح في تغذية تلك الغرائز الإنسانية والأنثوية الجامحة ولهذا يلجأن إلى الطرق غير المشروعة لكسب العيش فيزج الكثير منهن في السجون ويتم نفيهن إلى مستعمرات أستراليا النائية فغربن عن أسرهن وكن على موعد أيضا مع غربة النفس المريرة ورحلة البحث عن الذات خاصة النساء اللائي تم بيعهن لبناء المستوطنات في القارة الجديدة.
وقد نجحت جولانتا من لفت انتباه الجضور إلى كل حركة وهمسة ووتر كان يصدر عنها، واستطاعت أن تحتوي المسرح بحركاتها الرشيقة معبرة عن الجرح العميق للسجينات، ومستحضرة تلك المعاناة التي عشنها وذلك الشعور القاسي بالحرمان وقلة الحيلة.
وبعد انتهاء العرضيين نظمت اللجنة العليا للمهرجان الندوتين النقديتن، حيث أدار ندوة مسرحية “عشيات حلم” الأستاذ عبدالحليم المسعودي مستضيفا المؤلف مفلح العدوان والمخرج فراس المصري، وقد وجه النقاد عددا من الملاحظات للعمل من بينها أن الممثلة كانت بحاجة إلى تمارين أكثر لتتمكن من اتقان العمل وأن أداءها ركز على إلقاء قصيدة الشاعر في الكثير من المشاهد وأنها بالغت في ارتداء الاكسسوار الأشبه باللباس الغجري و وأن الإضاءة ضيعت بعض ملامح الدور”.
بينما ترى إحدى المشاركات بأن اللباس الذي ارتدته الممثلة كان مناسبا ولا بأس لو بالغت في ارتداء المزيد من الاكسسوارات لأنها تجسد شخصية منبثقة من خيال الشاعر.
وفي رده على ملاحظات النقاد قال العدوان “إن زمن كتابة النص كان على مراحل وكتب بالأساس لقصة قصيرة عنوانها الخرابيش وفي المرة الثانية كتب لمسرحية متعددة الشخوص ولم يجسد هذا النص إلا بعد عشر سنوات من الكتابة ونحن نتحدث عن نص يجاوب على الكثير من الأسئلة التي طرحت منذ فترة زمنية طويلة”.
وفي ندوة “نساء مدانات” قال أحد النقاد “إن جولاتانا الممثلة التي قامت بأداء الدور أمتعتنا بتنقلاتها في المسرح وغنائها واستخدامها لحركات الجسد وهذا هو فن المونودراما الذي يعتمد على التفاصيل الدقيقة”، وقال رأي آخر “إن الممثلة تمتعت بلياقة بدنية ممتازة إلى جانب معايشتها للدور بقوة وتفصيلها لكل أحاسيس الشخصية خاصة التفصيلة الأخيرة التي قامت بأدائها باستخدامها لعضلات الجسد وقد أبهرتنا بهذا المشهد”.
وفي مداخلته قال أحد النقاد “إن جولاتانا نجحت في عكس صورة السجينات المنسيات في حين أنه من الصعب تجسيد مثل هذه الشخصية، كما أن الحركة عبرت عن زمن مقنع لأنها كانت تعبر عن عالم يختلف عن العالم الذي يليه، ناهيك عن تعبير الجسد وحركة الرحى التي تعود بنا إلى أزمنة ومسافات وأماكن كانت شاهدة على معاناتهن، وأنها استخدمت أدوات بسيطة لكنها تعطي دلالات كبيرة”
وفي ردها على النقاد قالت جولاتانا “إن العمل الذي قدمناه أخذ منا الكثير من الوقت والجهد، وقد سررت جدا بمداخلة الشاب العماني الذي قال بأنه تعلم المونودراما من خلال مسرحيتنا، ونحن نحاول أن نصل إلى مخيلة جمهورنا ونود أن نعمل مع الجمهور ليكتمل العمل، ولا أعتقد أن هناك الكثير من الاختلافات المونودرامية في ثقافاتنا وهي لن تكون عائقا أمام تواصل الثقافات المختلفة وهذا هو الانفتاح، وأخيرا اؤكد لكم بأن أستراليا كانت سجنا صغيرا أحيانا”.
وقال المخرج أناتولي فريزون “إن افتراض أن المونودراما خاصة بالنساء هي مسألة مهمة للغاية تستحق الوقوف عندها، وإن المونودراما فن صعب لأن الممثل الواحد يقع على عاتقه اقناع المشاهد بأدواته الخاصة، والنص أيضا له تأثير ودور كبيرين في نجاح العمل، وأتمنى أن نكون قد نجحنا في هذا العمل الذي يعبر عني أيضا، فقد كان أبي سجينا بالاتحاد السوفيتي بسبب قضايا سياسية ولهذا كبرت بألمه ومعاناته وهذا انعكس على هذا العمل المونودرامي، فالمسرح طريقة ليفصح بها السجين عن آلامه ويقول للناس إنني هنا وأنا أعاني، وفي هذا النص نبحث عن العدالة والتسامح ونشير إلى معاناة تلك المرأة التي حرمت من أسرتها وأطفالها واستغلت جنسيا”.
وتستمر فعاليات المهرجان حيث يستضيف مسرح جمعية دبا مساء يوم السبت 25 يناير الجاري مسرحية “يوميات أدت إلى الجنون” للمؤلف نيكولاي غوغول والمخرج والممثل يوسف الحشاش من الكويت ومسرحية “الحياة كحلم: سلفادور دالي” للمؤلف والمخرج إنا سوكولوفا غوردون والممثل بوراك أكوبون وهي مقتبسة من مذكرات سلفادور دالي.