تبادلت الولايات المتحدة وروسيا امس الاتهامات حول فشل الجولة الثانية لمفاوضات «جنيف 2»، حيث رأى وزير الخارجية الاميركي جون كيري «ان موسكو تشجع الرئيس السوري بشار الاسد على المزايدة والبقاء في السلطة»، بينما رد نظيره الروسي سيرجي لافروف بالقول «ان الدول التي تدعم المعارضة السورية المسلحة تميل إلى حسم الحرب الأهلية عسكريا لا من خلال التفاوض».
وقال كيري بعد ايام من انهيار الجولة الثانية من مفاوضات جنيف 2 السبت الماضي من دون الاتفاق على موعد جولة ثالثة «إن حكومة الأسد هي المسؤولة عما آلت إليه المفاوضات من تعثر، مستندة إلى مساعدة موسكو وحلفائها الآخرين وتشجيعهم لها»، وأضاف «لقد عرقل النظام السوري المحادثات.. لم يفعل شيئا غير الاستمرار في إلقاء البراميل المتفجرة على شعبه ومواصلة تدمير بلده، ويؤسفني أن أقول إنهم يفعلون ذلك مستندين إلى دعم متزايد من إيران ومن حزب الله ومن روسيا».
وقال كيري في تصريحاته «ان الروس ابدوا علنا عدة مرات الى جانبي تأييدهم لحكومة انتقالية، لكننا لم نشهد ابدا جهودا من شأنها خلق الدينامية اللازمة للوصول الى ذلك»، واضاف «ان سوريا من جهتها رفضت فتح اي فرصة بالنسبة لحكومة انتقالية، ويجب ان يعرف الجميع ان موقف نظام الاسد مسؤول عن الصعوبات في المفاوضات»، وتابع قائلا «من الواضح أن الاسد مازال يحاول الفوز على أرض المعركة بدلا من الجلوس على طاولة المفاوضات بحسن نية، بينما على العكس، قدمت المعارضة خريطة طريق قابلة للتحقيق منظمة ومنطقية من أجل تشكيل حكومة انتقالية».
وسخر وزير الخارجية الاميركي من إصرار الحكومة السورية على تركيز محادثات جنيف على موضوع الإرهاب، وقال «الأسد نفسه قطب جاذب للإرهابيين»، متهما الرئيس السوري بممارسة الإرهاب المعتمد رسميا ضد شعبه من خلال القصف من دون تمييز والتجويع والتعذيب. وتابع مطالبا موسكو بحمل الأسد على اتخاذ موقف أكثر مرونة «ينبغي لروسيا أن تكون جزءا من الحل، لا أن تساعد الاسد بالسلاح وغيره من أشكال الدعم».
وفي المقابل، رفض وزير الخارجية الروسي اتهامات كيري بأن روسيا حالت حتى الآن من دون التوصل الى تسوية متفاوض عليها في سوريا، من خلال دعمها نظام الاسد، وقال «كل ما وعدنا به بالنسبة لحل الازمة السورية فعلناه»، واضاف «أولا عملنا يوميا مع السلطات السورية، وثانيا تظهر الأرقام بوضوح ان النظام ليس من يخلق العدد الاكبر من المشاكل وانما الارهابيون والمجموعات الارهابية التي تزايدت في كل انحاء سوريا والتي ليس لها اي مرجعية سياسية».
وحذر لافروف من محاولات تحميل الحكومة السورية وأنظمة أخرى في العالم جرائم وحشية بالأكاذيب والتلاعب بالوقائع، وأعاد إلى الأذهان استخدام صور جرائم قديمة تعود إلى فترة الحرب في العراق، لتوثيق جرائم منسوبة لدمشق. وتحدث عما وصفه بـ»أدلة» على أن بعض داعمي المعارضة بدؤوا ينشؤون كيانا جديدا بديلا لا يعترف بالمفاوضات، يضم خصوما للأسد انسحبوا من الائتلاف الوطني المعارض، وقال في مؤتمر صحفي مشترك بعد محادثات مع نظيره الاريتري «بعبارة أخرى ثمة سبيل يرسم للابتعاد عن مسار التفاوض والمراهنة من جديد على سيناريو عسكري».
واضاف «ظهرت تقارير ونحن نحاول تأكيدها تفيد بأن بعض رعاة المعارضة السورية بدأوا في تشكيل هيكل جديد.. اسمه ليس مهما لكن هذا الهيكل يجري تشكيله من جماعات تركت الائتلاف الوطني من بين الجماعات التي لا تؤمن بمفاوضات السلام.. إن الغرب أصبح مرة أخرى يفضل التدخل العسكري، وبمعنى آخر.. يختارون ترك مسار محادثات السلام ومرة أخرى يفضلون الخيار العسكري على أمل أن يحصلوا على تأييد قوي من الخارج كما كان الحال في ليبيا».
وشدد وزير الخارجية الروسي على أن روسيا لن تمرر عبر مجلس الأمن أي قرار يؤدي إلى التدخل في سوريا بذرائع إنسانية، وقال إن الأطراف التي تزود المعارضة بالسلاح قادرة على توريد مواد إنسانية أيضاً. وأشار إلى أن عدداً من المعارضين في سوريا يشكلون هيئة معارضة جديدة تسعى للمشاركة في المفاوضات، معتبراً أن الائتلاف السوري المعارض يمثّل جزءاً بسيطاً من المعارضة وليس كلّها.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان «إن الحكومة السورية محقة تماما في جهودها لوضع موضوع الإرهاب على رأس جدول الأعمال لأن سوريا أصبحت بشكل متزايد مجالا جاذبا للجهاديين والمتشددين من كل التلاوين». واشادت بما وصفته بـ»النية الايجابية» لوفد الحكومة السورية في محادثات جنيف، وقالت «إن الوسيط الدولي الاخضر الابراهيمي يجب ألا يشرد تجاه الاتهامات الاحادية والقاء اللوم في تعثر الحوار على طرف واحد».
وقال بيان الخارجية الروسية «إن القيام بعمل نشط ومنهجي لبناء الثقة بين النظام والمعارضة ضروري، بغية جعل الحوار السوري ــ السوري أكثر استدامة» واصفاً هذه المهمة بالصعبة، نظراً إلى الطبيعة الطويلة والدموية للصراع في سوريا. واعتبر أن جزءاً كبيراً من الوضع يعتمد على الابراهيمي الذي بصفته وسيطاً دولياً، عليه اتباع سياسة حيادية وموضوعية، من خلال تشجيع الطرفين على النظر في القضايا المشتركة، والتحاور فيما بينهما واستئناف المحادثات، داعيا بالتالي الإبراهيمي لعدم الشرود تجاه الاتهامات الأحادية، وإلقاء اللوم على طرف واحد بشأن الحوار المتجمد.
وأكّدت الخارجية الروسية أن لا بديل للتسوية السياسية والدبلوماسية للأزمة السورية، معربة عن اعتقادها بأن السوريين وحدهم قادرون على التوصل لاتفاق حول نظام الدولة في المستقبل، وذلك على أساس التفاهم المتبادل، ومن خلال تطبيق صارم لبيان جنيف -1. وحثّت طرفي النزاع على مواصلة الجهود الرامية للتوصل إلى وسائل للتقدم بعملية السلام، مع الأخذ بعين الاعتبار المصالح المتبادلة، وإظهار جهوزية للقيام بتسويات عند اتخاذ القرارات».
وكانت الجولة الثانية من مفاوضات جنيف-2 انتهت السبت بالاتفاق على جولة ثالثة لكن من دون تحديد اي موعد. ولم تقلع المفاوضات عمليا بين وفدي النظام والمعارضة لأن الفريقين يختلفان على اولويات البحث. ففي حين تتمسك المعارضة بأن البند الاهم هو «هيئة الحكم الانتقالي» التي يجب ان تتمتع بكل الصلاحيات بما فيها صلاحيات الرئيس الحالية، يصر الوفد الحكومي على البحث في بند «مكافحة الارهاب» الذي يتهم مجموعات المعارضة المسلحة به.
ودعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي ميخائيل مارغيلوف إلى عدم التسرع بالحكم بالفشل على المؤتمر الدولي جنيف 2 الخاص بالأزمة السورية، ونقلت وسائل إعلام روسية عن مارغيلوف قوله «آمل فقط أن يعطى تحليلا متفائلا لمؤتمر جنيف 2»، مضيفاً ان هذا أمر فيه منطق، فالجانبان في حالة حرب أهلية، الأمر الذي لا يشجع على التفاوض. واضاف ان المعارضة من جانبها تطالب بمناقشة مسألة الحكومة الانتقالية، وهي تقصد بذلك استبعاد الأسد ووزرائه، بينما الجانب الحكومي يحاول مناقشة موضوع حساس بالنسبة لسوريا والمنطقة ككل ألا وهو الحرب ضد الإرهاب.
من جهتها، حثّت الصين امس طرفي النزاع في سوريا على دعم جهود الوساطة الذي يبذلها الابراهيمي، والحفاظ على زخم المفاوضات، ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشون ينج قولها «إن الصين تحثّ طرفي النزاع على الالتزام بمسار الحل السياسي، والعمل مع الابراهيمي ودعم جهوده، والحفاظ على زخم المفاوضات». ودعت الجانبين على أخذ مستقبل البلاد ومصيرها بعين الاعتبار، والشعور بالحاجة الماسة لمواجهة الاضطراب الدائر في سوريا، معتبرة أن مفاوضات جنيف هي عملية مستمرة تتطلب من الحكومة والمعارضة بسوريا بناء الثقة بشكل تدريجي بوساطة المفاوضات والتوصل لحل للنزاع. وأضافت «لا يمكننا أن نتوقع أن تتم تسوية المشاكل كافة من خلال مؤتمر أو مؤتمرين»، مشيرة إلى أن الأزمة السورية مرتبطة بتناقضات واختلافات متعددة، ما يجعلها عملية معقدة جداً.

الاتحاد