علي أبو الريش

في زماننا، في مكاننا، في مآزقنا، في محارقنا، في كتبنا المدرسية، في دفاتر الذاكرة، في حقائب وعينا، نتدارس كيف نخرج من مشارف التعلق إلى مفارق الحب، ونحصد ثمار انتمائنا إلى وعي جديد وإلى واحة مزروعة بالورد والخدود الحمر، والقدود المضمرات، المخصرات، اليانعات الباسقات المرتشفات من عيون الوعود المبجلة، الناعمات الناعسات الكاعبات المنتصبات، أفقاً يتشقق بالأشواق وصفاء الأحداق، ونقاء الأعناق، واللاتي يخضن حروب العشق برموش مهندة صقيلة، أنصالها ذاك البعد الإلهي، المخبوء ما بين الرمش والرمش، المصفود كأنه النصال القواطع، المظلل بحاجبين على الجبين اللجين.
في زماننا نبحث عن الحب، لدقيق فوق شوك نثروه، ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه.. في زماننا نبحث عن الحب، عن شق في خرقة عتيقة، يدلنا على النور الإلهي، على أسطورة الكون والتكوين، نبحث عن الحب، وعن سدرة نامت في أحضان رمال متحركة، نبحث عن طائر الشوق الذي شابت أجنحته، فأناخ في أحفورة الزمان، يتساءل قائلاً: لقد ذهب الذين أحبهم وبقيت وحدي، بقيت في عراء الأمكنة فلا رقية تحفظني من التيه، ولا حرز يملأ قلبي بالطمأنينة، كون الشمس تسلل في الغياب باحثة عن مأوى في منأى من أرض البسيطة عندما سقطت التفاحة، وأعلنت السماء تصريحها الأخير، أن للخيانة ثمناً لا تمسحه الأشواق البائدة، ولا يغسل ثوبه ماء من مجرى الحثالة.
في زماننا، تتهشم زجاجة القلب تحت وطأة الجفاف والاستخفاف والإسفاف، ولا يبدو للطائر المكبل، سوى بقعة من شوق غائرة، سائرة في العمق اللامتناهي، لأن الأشجار التي تفرعت وأينعت، خانها زماننا ولم تعد تستدعي سوى بقايا ذاكرة مثقوبة، منقوعة في ثنايا وقت تكاثرت فيه الشظايا والنوايا والرزايا والخبايا، وغواية إبليس اللعين.
في زماننا، تنشف المحيطات، وتكفهر السموات، وتتقاعس النجوم عن إشعال فوانيسها، وتنكفئ الأقمار في المكان القصي، متفادية كرسي كؤوس الأحلام، بينما يقف من تاق واشتاق، واعتنق العشق عناقيد وقلائد وقصائد ومعابد وشواهد، وأوابد لا تجلى ولا تبلى ولا تتخلى عن حرقات الثلج والنار.

الاتحاد