د. عبدالله محمد المطوع

كم هو محزن ومؤلم أن يفقد الوطن أحد أبنائه الأبرار، ممن قدموا خدمات وتضحيات تؤكد على ولائهم وانتمائهم لهذه الأرض، وكذلك إيمانهم بوحدة دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن من يحملون الحقد والكراهية والبغضاء، شاءوا أن يحولوا الفرح والترح إلى دموع في عيون كل من عرف الشهيد الملازم أول طارق الشحي، الذي استشهد على أرض البحرين الشقيقة وهو يدافع ضد قوى الظلام، وها هي رأس الخيمة تلبس الأسود حداداً على ذلك الإنسان، لكن في المقابل يتأكد غرس حب العمل والتضحية لأجل أن تنعم البشرية بالسلام أينما كانت، بغض النظر عن أية فوارق بين البشر.
قام شهيد الوطن والواجب الوطني طارق الشحي قبل رحيله بجولة في أرجاء الوطن مع أولاده وأهله وكأنه يدرك أنها المرة الأخيرة في حياته التي يرى ملامح تقدم وطنه من أبوظبي إلى الفجيرة، ألا يدل ذلك على إيمان الشهيد طارق أن الحياة على أرض وطنه الإمارات حلوة وجميلة، لا فرق في ذلك بين سكان المدن الكبرى والقرى الصغيرة، ولا الغني ولا الفقير، فهم مواطنون بحكم القانون ينعمون بخيرات هذا الوطن وازدهاره وإنجازاته وأمنه واستقراره.
من رحمة الله تعالى أن الحزن على رحيل الأعزاء يولد كبيراً ثم يصغر تدريجياً، وندرك أن الله سبحانه وتعالى قد منّ على الإنسان نعمة النسيان، حتى يخفف عنه الألم والحزن، وندرك أن الخير في الدنيا قائم والشر أيضاً قائم إلى أن تقوم الساعة، وها هو الشر وقوى الظلام تطل لتخطف أرواح الأبرياء، ألم يدرك أولئك القتلة أن الدين الإسلامي يحرم قتل النفس، وما ذلك السلوك الإجرامي إلا نتاج لنفوس ضعيفة تعتقد أن قتل الإنسان قد يميت التلاحم بين الشعوب، ولا يدركون أن المآسي والأحزان تجمع الناس، وتجعلهم متلاحمين وتزداد المودة بينهم، وإن مصير أولئك الدرك الأسفل من جهنم.
ليس أغلى من التضحية بالروح، ولهذا كرمها الله بالشهادة، وما أعظم من التضحية من أجل الوطن، ولأننا نؤمن في وطننا الإمارات أننا جزء لا يتجزأ من أسرتنا الخليجية الكبيرة، والتي هي بدورها جزء من أسرتنا العربية الكبيرة من المحيط إلى الخليج، فإننا على استعداد للتضحية بأرواحنا من أجل أمن وسلامة وطننا وأسرتنا الكبيرة، وما تضحية واستشهاد البطل طارق الشحي على أرض مملكة البحرين الشقيقة إلا نموذج ودليل حي على إيمان دولة الإمارات وشعبها بالواجب الوطني تجاه الأشقاء الخليجيين والعرب جميعاً، الإمارات البلد المعطاء في كل شيء وللجميع في أقاصي مشارق الأرض ومغاربها، ها هو يعطي حتى أرواح أبنائه الأبرار الأبطال من أجل أن يحيا الأشقاء في أمن وسلام، ومن أجل أن تندحر وتنهزم قوى الجهل والظلام والدمار والخراب.
الشهيد البطل طارق الشحي الذي نما وترعرع على أرض وطنه الإمارات ليستشهد، وهو في زهرة شبابه، على أرض الشقيقة البحرين، إنما هو وسام على صدر كل مواطن إماراتي، ودرس في البطولة والوطنية علينا أن نعلمه لأبنائنا في المدارس وفي البيوت حتى يشبوا على روح البذل والعطاء والتضحية من أجل الوطن، ولا شك أن أسرة الشحي الصغيرة وأبناءه الصغار ستلقى الرعاية الكاملة من حكامنا وحكومتنا، وسيظلون ما حيوا في أعيننا كأبنائنا وإخوتنا، وسوف نفتخر بهم كما افتخرنا بأبيهم، لأنهم فقدوا عزيزهم الغالي وهو يؤدي أسمى واجب ويلبي أشرف نداء، نداء الوطن ضد قوى الظلام والخراب والكفر والتضليل.
وأخيراً وليس آخراً سيظل البطل الشهيد طارق الشحي حياً في العقل والقلب ولدى الأطفال قبل كبار السن، وسيسجل اسمه في أنصع صفحات تاريخ بلدنا الحبيب الإمارات، ولن ينساه أبداً شعب مملكة البحرين الشقيقة، ونحن على ثقة من أن اسمه سيكرم في البحرين مثلما يكرم في الإمارات، رحمك الله يا من آمنت بأن الحياة والوطن هو العطاء للأبد، وما استشهادك إلا قمة العطاء للإنسانية، وستظل ذكراك دائماً كلما مررنا بذلك الشارع الذي سمي باسمك أيها الشهيد البطل.

البيان