علي عبيد

لم يفاجئنا قرار الإمارات والسعودية والبحرين سحب سفرائها من قطر، قدر ما فاجأتنا ردة فعل قطر، التي عبرت في بيان مجلس وزرائها عن أسفها واستغرابها للبيان الذي صدر من قبل الدول الشقيقة الثلاث بسحب سفرائها من الدوحة.

وبغض النظر عما إذا كان البيان القطري يعبر عن سذاجة متعمدة، أو ذكاء سياسي خادع، أو التفاف على الموقف، فهو في كل الأحوال يظهر عناداً وإصراراً واضحاً على الذي نراه نحن باطلاً، ويراه الأشقاء في قطر حقاً لا يجب أن يجادلهم فيه أحد، حتى لو أجمعت كل آراء الدول الشقيقة والصديقة على وضوح بطلانه، وزعزعته لثوابت دول مجلس التعاون الخليجي، ومساسه بأمن هذه الدول واستقرارها، كما أوضح بيان الدول الثلاث، الذي كان صريحاً وشفافاً لا لبس فيه، يسرد الوقائع وفقاً لتسلسلها الزمني، ويذكر ما جرى من مفاوضات، وما تم من اتفاقات لم تلتزم بها الشقيقة قطر، التي أصرت على المضي في سياستها المقوضة لبناء مجلس التعاون الخليجي، المضرة بمصالح دوله، ودول عربية أخرى تتخذ قطر منها موقفاً عدائياً، وتتدخل في شؤونها الداخلية.

جميل أن تشعر دولة قطر بالأسف، ولكن ليس لقرار سحب الدول الشقيقة الثلاث لسفرائها من الدوحة، كما جاء في بيان مجلس الوزراء القطري، وإنما لمواقف قطر تجاه هذه الدول، وممارساتها التي تتناقض مع كل قواعد الأخوّة والجوار، ومع المبادئ التي قام عليها مجلس التعاون الخليجي، وما نص عليه نظامه الأساسي من إدراك الدول الأعضاء للمصير المشترك ووحدة الأهداف التي تجمع شعوبها، وما يهدف إليه المجلس من تحقيق التنسيق والتعاون والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين، وصولاً إلى وحدتها، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين شعوبها في جميع المجالات.

نعم، كنا نتوقع أن تشعر قطر بالأسف لهذه المواقف، وليس لموقف الدول الخليجية الثلاث، الذي جاء بعد صبر طويل على هذه المواقف والممارسات المؤسفة التي لم يكن من المفترض أن تجري، وكان يجب أن تتوقف بعد الاتفاق المبرم إثر الاجتماع الذي عقد في الرياض في 23 نوفمبر الماضي، والذي وقع عليه أمير دولة قطر، بحضور أمير دولة الكويت، وأيده جميع قادة دول المجلس ووقعوا عليه. لكن هذا الاتفاق ظل حبراً على ورق، حيث لم تتخذ قطر الإجراءات اللازمة لوضعه موضع التنفيذ، كما جاء في بيان الدول الثلاث.

وجميل أيضاً أن تشعر دولة قطر بالاستغراب، ولكن ليس من بيان الدول الثلاث، الذي كان صريحاً وشفافاً وقائماً على حقائق محددة، وإنما من بيان مجلس وزرائها الذي قال إنه لا علاقة للخطوة التي أقدم عليها الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، بمصالح الشعوب وأمنها واستقرارها، بل باختلاف المواقف حول قضايا واقعة خارج دول مجلس التعاون، مؤكداً أن قطر كانت وستظل دائماً ملتزمة بقيم الأخوة التي تعني الأشقاء في المجلس، ومن ثم، فإنها تحرص كل الحرص على روابط الأخوة بين الشعب القطري والشعوب الخليجية كافة.

فحين تفسح قطر منابر مساجدها لشيوخ الفتنة كي يوجهوا شتائمهم وإساءاتهم إلى جيرانها من الدول الخليجية الشقيقة، وتنقل خطبهم وتصريحاتهم على قنواتها الرسمية وغير الرسمية، لا تصبح الخطوة التي أقدم عليها الأشقاء في السعودية والإمارات والبحرين، تتعلق باختلاف في المواقف حول قضايا خارج دول مجلس التعاون، كما يقول بيان مجلس الوزراء القطري.

وحين تشجع قطر بعض مواطني دول المجلس على الخروج على حكامهم وأنظمتهم، وتقدم لهم الدعم، وتفسح لهم منابرها الإعلامية كي يهاجموا دولهم، لا تصبح خطوة سحب السفراء نتيجة اختلاف في المواقف حول قضايا خارج دول المجلس.

وحين يعلن بيان مجلس الوزراء القطري «التزام دولة قطر الدائم والمستمر بكافة المبادئ التي قام عليها مجلس التعاون الخليجي، وكذلك تنفيذ كافة التزاماتها، وفقاً لما يتم الاتفاق عليه بين دول المجلس، بشأن الحفاظ وحماية أمن كافة دول المجلس واستقرارها»، ثم لا نشاهد شيئاً من هذا على أرض الواقع، يصبح هذا هو محل الاستغراب الحقيقي.

أسف دولة قطر واستغرابها كان يمكن أن يكون لهما وقع جميل، لو أنهما اتخذا مساراً آخر غير الذي مضيا فيه، فقطر ما زالت مصرة على موقفها، وأنها «لن ترضخ»، وفقاً لما صرح به مصدر مقرب من الحكومة القطرية لوكالة «رويترز» يوم الخميس الماضي، لأن «هذا الأمر مسألة مبدأ نتمسك به، بغض النظر عن الثمن»، وفقاً للمصدر نفسه الذي أكد أن «قطر لن تتخلى عن استضافة أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، بمن فيهم يوسف القرضاوي»، قائلاً: «منذ تأسست قطر قررنا أن نتخذ هذا النهج، وهو الترحيب الدائم بأي شخص يطلب اللجوء في بلادنا، ولن يدفعنا أي قدر من الضغط لطرد هؤلاء»!

تستطيع قطر استضافة من تشاء من الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية وطالبان وغيرهم، وتستطيع أن تفتح ذراعيها لكل إرهابيي الدنيا، وتستطيع أن تكون مأوى لكل القتلة الهاربين من سجون بلدانهم، ولكن من حق جيرانها أن يطلبوا منها الكف عن دعم هؤلاء المارقين، وعدم فسح منابرها الدينية والإعلامية لهم كي يخرجوا بذاءاتهم، وينفثوا سمومهم عبرها، ومن حق هؤلاء الجيران أن يحموا أراضيهم وأجواءهم، كما أنه من حقنا نحن أن نأسف ونستغرب من مواقف قطر الشقيقة، أكثر مما يحق لقطر أن تعبر عن أسفها واستغرابها من خطوة سحب السفراء

– البيان