د خالد الخاجة
“اعطني مسرحا أعطِك شعبا مثقفا”، سواء كان شكسبير قائل هذه العبارة أم جورج أبيض الذي يلقب بأبو المسرح العربي، فإنها تكشف بجلاء عن قيمة المسرح، والفن عموما، ودوره في حياة الشعوب، فهو أحد أشكال الاتصال بالناس، والمسرح هو أقدم الفنون، ومن خلاله تستطيع معرفة ما يشغل الناس من قضايا وكيف يحيون. من هنا كان لا بد على من يكتب للمسرح، أن يكون في موقع القلب من حركة مجتمعه وعلى تماس دائم بما يشغل الناس.
ومن المسلم به أن هناك تلازما بين المستوى الثقافي السائد في المجتمع وبين النشاط المسرحي، فوجود مسرح حي يدل على شعب متحضر، كما أن نهضة المسرح هي أحد جوانب النهضة الثقافية للدولة، التي بدورها تعبر عن حالة نهضة شاملة، لأننا لم نر عبر سنوات التاريخ شعبا تراجع ثقافيا وامتلك مسرحا قويا، كما لا توجد أمة نمت ثقافيا دون وجود بيئة حضارية مواتية ساعدت على ذلك في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسة والاجتماعية، لأن النظام الثقافي في أي مجتمع يتفاعل مع باقي الأنظمة المكونة له، يؤثر فيها ويتأثر بها، لذا كانت النهضة الثقافية والنهضة العمرانية صنوان.
ولأن الأمر على هذه الدرجة من الأهمية، جاء اهتمام معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، بمهرجان الإمارات للمسرح الجامعي، والذي سيقام مطلع الشهر القادم على مسرح جامعة الشارقة، وهو الذي خبر الشباب وتعامل معهم عن قرب حين كان على رأس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ويعلم مدى أهمية أن يعبر الشباب عن أفكارهم وإبداعاتهم لنعرف ما يشغلهم، فضلاً عن أنهم يفاجئوننا دائما بأفكار مبدعة من وحي تجربتهم وزمانهم.
وعلى الرغم من أنها النسخة الثالثة للمهرجان، إلا أن الاستعدادات لهذه الدورة تكشف بجلاء عن رغبة حقيقية وجادة من القائمين عليه، للوصول إلى الشباب والذهاب إليهم حيث كانوا، دون انتظار مبادرتهم للاشتراك بأعمالهم. آية ذلك اللقاء الذي جمعني والمخرج المسرحي الفنان عبد الله صالح، بطلبة جامعة عجمان في إطار الاستعداد للمهرجان، واكتشاف المواهب الطلابية ومناقشتهم في العمل المقدم للمهرجان، وسبل تجويده والارتقاء بقدراتهم، سواء في الكتابة أو التمثيل أو الإخراج المسرحي.
وعلى الرغم من أن المسرح الجامعي هو مسرح للهواة وليس للمحترفين، إلا أن هناك أعمالاً طلابية، كتابة وتمثيلاً وإخراجا، وهو ما يقربنا من فكر الشباب ومعرفة القضايا التي تشغلهم، وطريقة معالجتهم التي تكشف عن نمط التفكير، كما أنها فرصة مواتية لكي يكتشف الشباب أنفسهم ومعرفة قدراتهم الكامنة، وهو ما يثري المهرجان ويجعل له مذاقا خاصا، فضلاً عن الدعم الفني والمادي من الوزارة للأعمال التي تمت إجازتها مبدئيا.
ويخطئ من يظن أن نهضة المسرح تقتصر فقط على الكشف عن المواهب الشابة في مراحل مبكرة من مشوارها، خاصة وأن كبار الممثلين، سواء في السينما أو التليفزيون، كان المسرح هو بدايتهم التي انطلقوا منها لممارسة باقي الفنون التمثيلية، لأن من يستطيع أن يواجه الجمهور وجها لوجه ليلقي نصا مسرحيا، لا يملك رفاهية إعادته مرة ومرات كما يحدث في الأعمال التليفزيونية أو السينمائية، لن يجد صعوبة في ممارسة باقي الفنون التمثيلية.
كما أنه من المقطوع به أن نهضة النشاط المسرحي الجامعي ستنعكس على نهضة المسرح الوطني بصفة عامة، لأن هواة اليوم هم محترفو الغد، وهو مصدر الإمداد النوعي لمفردات وأدوات العمل المسرحي، ليس على مستوى الأداء فقط، ولكن أيضا في الكتابة والإخراج والديكور والتصوير، فضلاً عن النقد المسرحي والذي يخرج لنا عبر المجلات الفنية المتخصصة. والمسرح الجامعي لا يعد ترفا أو شكلاً من أشكال الترفيه المقدمة إلى الشباب، بل تكمن أهميته في تنمية الوعي بالقضايا الاجتماعية والسياسية والتحديات التي تواجه مكتسباتنا الوطنية.
من ناحية أخرى فإن مهرجان المسرح الجامعي، يؤكد العلاقة الوثيقة والتناغم بين الوزارات في الدولة، وأنها لا تعمل بمنطق الجزر المنعزلة، كما يؤكد في ذات الوقت على طبيعة الدور الذي تقوم به الجامعة، وأنها ليست فقط مكانا لتحصيل العلوم في القاعات الدراسية، ولكن دورها يتعدى ذلك إلى تكوين شخصية الشباب، حيث تؤثر في سلوكهم وآرائهم واتجاهاتهم تربويا ونفسيا، كما تقوم بالدور الأساسي في تعليم المهارات وتوصيل المعرفة، وتفسير التراث والتقاليد التي يريد المجتمع نقلها من جيل إلى جيل.
كما أن دور المسرح يتكامل مع دور الجامعة في بناء الشخصية، باعتباره الدائرة الأكبر التي تحوي قضايا الناس التي يلتقطها الكاتب المسرحي من وحي حركتهم الحياتية، وهو مرآة للمجتمع، وفي الوقت الذي يرفه عن أفراده ويسليهم، فإنه يعلمهم ويوجههم ويرشدهم، بلغة يفهمونها وبحركة قريبة من حياتهم، لذا كانت مقولة شكسبير “وما الدنيا إلا مسرح كبير”، تحمل في طياتها دلالة كبيرة على متانة العلاقة بين المسرح وحياة الناس، وذاك الذي أبقى حتى الآن على الفن المسرحي وحافظ على جمهوره، على الرغم من ظهور السينما والتلفاز وباقي وسائل الاتصال.
ولذلك أطلق على الفن المسرحي “أبو الفنون”، لأنه يشتمل عليها جميعا؛ من تمثيل وشعر وإلقاء وموسيقى وإضاءة وديكور، فضلاً عن التواصل المباشر مع الجمهور، وهو ما يجعل رجع الصدى عن العمل في نفس اللحظة، إما أن يلقى استحسانا أو استهجانا، وهو ما لا يتوافر لغير العمل المسرحي. كما أن المسرح ساهم في إنجاح العديد من الفنون، ذلك أنه عند ظهور السينما تمت الاستعانة بالممثلين المسرحيين، كما أنه ساهم في مسرحة الشعر عبر المسرحيات الشعرية وقربه إلى الجمهور العام.
إن ما تقوم به وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع من جهد واضح واهتمام بالمسرح، والدعم الملموس من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان له، هو عودة للروح ليس للمسرح الجامعي فقط، ولكن للمسرح الإماراتي الذي انطلقت مسيرته منذ الستينات من القرن الماضي.
– البيان