علياء العامري

عندما يفقد الإنسان عقله وتضيق عليه الدنيا بما رحبت، ويشعر أنه منبوذ من كل من حوله، فإنه يتصرف كاليائس الحاقد الذي يريد أن يجر العالم كله إلى دائرة يأسه وحقده.. هذا هو فعل الكاتب القطري المدعو عبد الله العذبة، الذي لا تفوته فرصة إلا ويهاجم فيها القيادات الخليجية بصفة عامة…

والقيادة الإماراتية بصفة خاصة، ملبياً في ذلك أوامر صنعت من الإرهاب حبلا تريد أن تلفه حول رقاب دول الخليج فتهز هيبتها وتضعف عرى أمنها وتماسكها، وإذا بالسحر ينقلب على الساحر، وإذا بحبالهم وعصيهم تستدير عليهم لكي تؤدب صغيرهم وترد الصواب إلى ضالهم وكبيرهم. فكان الدرس القاسي الذي لقنته لهم ثلاث من دول الخليج مجتمعات…

حيث سحبت سفراءها من قطر، أملا في أن ترد القيادة القطرية إلى صوابها، وتعود إلى مكانها في البيت الخليجي، وتقلع عن أفعالها وتحركاتها المريبة تجاه جيرانها، وإلا سيكون هناك من وسائل الردع ما لا تقوى على مواجهته وتحمله.

وبدلا من أن ترعوي القيادة القطرية، وتعلم أن صفقتها التي باعت فيها دول الخليج وعمقها الاستراتيجي مقابل القرضاوي وعصابته صفقة خاسرة، إذا بها تطلق العنان لمرتزقتها من الكتاب والإعلاميين يتهجمون على دولة الإمارات، ويخرجون سيوف حقدهم من أغمادها ويشهرونها في وجه الإمارات قيادةً وشعباً، محاولين شق عرى التماسك بين الشعب وقيادته.

ولما تحطمت جميع أسلحتهم، بحثوا في جرابهم فلم يجدوا سوى أن يلعبوا على أوتار الإساءة للرموز الوطنية، مثلما فعل المدعو عبد الله العذبة، الذي بحث في جراب سحره فلم يجد سوى الإساءة لرمز وحدتنا وعنوان نهضتنا المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عليه رحمه الله، الرجل الذي شهد له العالم كله، والعدو قبل الصديق، بأنه كان زعيماً من نوع فريد.

والعذبة بمجرد ذكره لوالدنا الشيخ زايد عليه رحمة الله، فهو يعلم بمنطق الساحر أن كلامه هذا سيستفز مشاعر كل الإماراتيين الذين يعتبرون زايد والداً لهم جميعا، فهو مؤسس اتحادهم وزارع شجرة نهضتهم الوارفة الظلال التي أظلتهم بظلالها، فجعلت منهم أسعد شعوب العالم.

ولقد تجلى رد الشعب الإماراتي على تلك الإساءة، في اشتعال موقع تويتر بالتغريدات التي جاءت رداً على هذا العذبة، الذي تجرأ على رمز الإمارات أبونا زايد رحمه الله، حيث غرّد أبناء الوطن تحت هاشتاق “العذبة_تهبي_عن_أبونا_زايد”، فعبّروا عن استنكارهم للسماح لشخصية نكرة مثل العذبة وغيره من المرتزقة، بالتهجم على حكيم العرب والرجل الذي وقف وقفات رجولية مع الأمة العربية ومع الخليج العربي، فأفعال زايد خلّدها التاريخ، فهو صاحب المواقف المشهودة والأيادي البيضاء على العالم كله…

حيث أوقف من مقدرات دولته لمساعدة المحتاجين والمنكوبين والمساهمة في أعمال الخير في ربوع الدنيا بأسرها، وجعل من نفسه ودولته مناصرين للقضايا العادلة وحقوق الإنسان في العالم، مثل القضية الفلسطينية، والأزمة اللبنانية، وقضية المسلمين في البوسنة والهرسك والشيشان…

وكان يؤمن إيمانا عميقا بمبدأ التضامن العربي، باعتباره وسيلة للتغلب على عوامل التمزق، وسلاحاً لكسب القضايا وتحقيق الأماني العربية المشتركة. وأما في حرب أكتوبر، فلم يتردد الشيخ زايد لحظة واحدة في اتخاذه قراره التاريخي بدعم المعركة القومية حتى آخر فلس في خزينته، وعندما عجزت خزينته لم يتردد بنخوة العربي وشهامته، في أن يقترض ملايين الجنيهات الإسترلينية من البنوك الأجنبية في لندن..

وإرسالها على الفور إلى مصر وسوريا. ويومها قال كلمته المشهورة التي تكررها الجماهير في العالم العربي في كل مناسبة: “سنقف مع المقاتلين في مصر وسوريا بكل ما نملك؛ إنّ البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي”.

هكذا كانت الرجولة وهكذا كان القادة، بعكس ما يقوم به البعض اليوم من إهدار مليارات الدولارات، في سبيل خراب دول العرب وسحق الإنسان العربي، لنكتشف الفرق بين معادن الرجال. تلك المواقف الخالدة التي لا تمحى من الذاكرة، جعلت العرب وغيرهم يجتمعون على محبته واحترامه، ناهيك عن أبناء زايد الذين يهبّون للدفاع عن ذكراه كما لو كان حيًّا، بعكس من اعتادوا العقوق وورّثوه لغيرهم، فلم يعرفوا للرجال قدرا ولم يعملوا حتى بصحيح الدين الذي يتشدقون به…

والذي يدعونا إلى إنزال الناس منازلهم، وإكرام ذي الشيبة والسلطان العادل، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن إجلالِ الله إكرامَ ذي الشَّيبةِ من المسلمين وحامِلِ القرآن غيرِ الغالي فيه والجافي عنه وذي السلطانِ المقسِط)). ولكن هل يعلم الغر أقدار الرجال! يقول سفيان بن عيينة لأحد تلاميذه: يا بني من جهل أقدار الرجال فهو بنفسه أجهل. ويقول الإمام الشافعي:

أحب مكـارم الأخــلاق جهــدي وأكــــره أن أعيــب وأن أعـابا

وأصفح عن سِــباب الناس حِلما وشر الناس من يهــوى السـبابا

ومن هاب الرجــال تهيّبـــــوه ومن حقَر الرجــال فلـن يُهـابا

ولكن كيف يعرف هؤلاء الجهلة أمثال العذبة، أقدار الرجال وهم لم يجدوا القائد القدوة والرمز الذي يلتفون حوله، مثلما وجدنا أبانا زايد ومن بعده رئيسنا وقائدنا خليفة؟ فهم قد افتقدوا القائد الرمز الذي يحتوي شعبه ويعاملهم كالإخوة والأبناء، ومن ثم انجرفوا نحو المكيدة للدول الأخرى، ويحاولون إسقاط آخر المجالس العربية المتحدة والمتماسكة…

وهو مجلس التعاون الخليجي الذي اجتهد زايد الخير في إقامته، بالتعاون مع المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت عام 1980. يقول أحد المغردين الإماراتيين ردا على العذبة: أخيراً ما تقوله.. لن يغير حقيقة أن التآمر على الخليج وحكوماته بدأ من قطر وسينتهي قريبا بإخراسك أنت ومن أفلت قيدك #الا_زايد_يا_العذبة.

ولم يقف رد أبناء الإمارات على العذبة وأمثاله عند حدود التغريدات، بل توالت مواقفهم المشرفة التي تظهر حبهم وتضحيتهم بالغالي والنفيس من أجل وطنهم، فتتابعت اعتذارات العديد من أبناء الوطن عن العمل لدى الهيئات والمؤسسات القطرية، مثل موقف معلقي الإمارات (فارس عوض وعلي سعيد الكعبي) وغيرهما، الذين أعلنوا إنهاء خدماتهم مع إحدى قنوات الرياضة التابعة لدولة كانت ذات يوم شقيقة حتى انشقت اليوم من صف دول الخليج العربي، على الرغم من نجاحهم الكبير في تلك القنوات، ولكنهم ضحوا بشهرتهم غيرة منهم على كرامة وطنهم.

ولم تقف المقاطعة عند إعلاميين فقط، حتى رياضتنا كان لها شأن في ذلك، فللمرة الأولى ينسحب فريق أبوظبي لزوارق الفورمولا-1 من المشاركة في كأس القارات للزوارق المقام في الدوحة. وعندما تقاطع رياضاتنا بمختلف أنواعها المسابقات المقامة في قطر، فهذا لا يعني أنها خسرت لقباً كان من الممكن نيله، على عكس ذلك تماماً، فهي كسبت أغلى الألقاب، لقب «حب الوطن» الذي لا يضاهيه لقب، والذي يغنيها عن حصد أي بطولة في تلك الدولة.

وقلنا وما زلنا نكرر أن انتقادنا ليس للشعب القطري الذي تربطنا به وحدة الأرض والمصير، ولكنه انتقاد للسياسة القطرية ومرتزقيها الذين يحاولون إشعال الفتنة على أرض الخليج العربي، وغيرها من البلاد العربية، ويريدون ممن حولهم أن يتقبل أفعالهم دون رد رادع أو حتى انتقاد غرضه تعديل المسار..

ومن ينتقد اتجاههم أو يعترض على سلوكهم يتهمونه بالإساءة لذواتهم أو النيل من كرامتهم وأمن بلادهم، مثلما جاء في مقال في جريدة الراية القطرية بعنوان

: “تطاول الإمارات على قطر بالأدلة والأسماء والتواريخ”، يحاولون من خلاله استدرار عطف الشعب القطري الذي ضاق بفعل قيادته ومرتزقيها الذين يصورون أنفسهم بالمجني عليه وليس الجاني، وأذكرهم بالمثل العربي القائل: “رمتني بدائها وانسلت”.

-البيان