في أجواء شابها التوتّر وظلّلتها غيوم الخلافات، انطلق قطار القمّة العربية الـ 25 في الكويت أمس تحت شعار «قمة التضامن لمستقبل أفضل» بحضور صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، فيما هيمن الشقاق العربي وأزمة سوريا على أجندة الرؤساء، إذ افتتح أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الأعمال بتحذير مفاده أنّ من شأن التفرّق العربي العصف بالوجود والآمال ، بينما تلافى أمير قطر ذكر الفتور مع الشقيقات: السعودية والإمارات والبحرين بالتقرّب من مصر بالعزف على «أوتار الأخوّة».
وحذّر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح من مخاطر الخلافات العربية الداخلية، معتبراً أنّها باتت تعصف بوجودنا، مشيراً إلى حدّة الأزمة السورية وتأثيرها على المنطقة. وأكّد الصباح في افتتاح أعمال القمّة، مع حضور 14 زعيماً عربياً وغياب ثمانية، أنّ «الخلافات في الأمّة العربية أمر محزن ومساحة الاتفاق أكبر من مساحة الاختلاف وعلى الجميع استثمارها»، مضيفاً:
«الخلافات بين الدول العربية باتت تعصف بوجودنا وآمالنا، والدوران في فلك الاختلاف الضيّق سيرهقنا». وتابع القول: «إننا مدعوون إلى البحث في الأسس التي ينطلق منها عملنا العربي المشترك وإيجاد السبل الكفيلة بتعزيزه وتوطيد دعائمه من خلال النأي به عن أجواء الخلاف والاختلاف والتركيز على عوامل الجمع في هذا العمل».
إنهاء كارثة
ودعا أمير الكويت مجلس الأمن الدولي إلى أن يعيد للعالم مصداقيته لحفظ الأمن والسلم الدوليين، وأن يسعى إلى وضع حد للكارثة الإنسانية في سوريا، مردفاً: «مخطئ من يعتقد أنه بعيد عن تداعيات الأزمة السورية»، مشيراً إلى أنّ «تقارير المنظمات الإنسانية أكّدت أنّ الكارثة في سوريا تسبّبت في ضياع جيل بأكمله»، لافتاً إلى أنّ «5.5 ملايين طفل سوري يعيشون في مهب الريح»..
وأنّ الكل أمام واقع أليم وكارثة إنسانية. وبشأن القضية الفلسطينية، أكّد أنّ السلام العادل والشامل لن يتحقّق إلّا من خلال إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، مشيرا إلى أنّ «الانتهاكات الإسرائيلية تقف عائقا أمام تحقيق السلام».
نصيحة لإيران
وتطرّق الشيخ صباح الأحمد إلى ملف طهران النووي، إذ دعا من أسماهم «الأصدقاء في إيران» إلى مواصلة تنفيذ التعهّدات التي التزمت بها سابقاً خلال اجتماعات مجموعة 5+1 تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهدف تبديد قلق دول المنطقة إزاء برنامجها النووي.
وحول «الإرهاب»، شدّد أمير الكويت على ضرورة مضاعفة الجهود الرامية إلى وقف الظاهرة الخطيرة مهما كان مصدره، معتبراً أنّه «يتعيّن مضاعفة جهود الدول العربية بالتعاون مع المجتمع الدولي بهدف وأد الظاهرة ».
وهنأ أمير الكويت القيادة في مصر على ما تحقّق من خطوات مهمّة في تنفيذ خريطة الطريق بما يحقّق الأمن والاستقرار وبما يعيد البلاد لممارسة دورها الرائد، وهنأ الحكومة اللبنانية على تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وحكومة تونس على إقرار الدستور الجديد.
مواقف قطرية
وفيما تحاشى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد التطرّق إلى الخلاف بين بلاده والشقيقات الخليجيات، تبدّت نبرة التقرّب إلى مصر في لهجة عزف فيها على «أوتار الأخوة»، إذ أكّد على علاقة الإخاء مع «الشقيقة الكبرى» مصر: مضيفاً: «نتمنى لها الأمن والاستقرار السياسي وكل الخير في الطريق الذي يختاره شعبها الذي ضرب أمثلة مشهودة في التعبير عن تطلّعاته، ونتمنى أن يتحقّق ذلك عن طريق الحوار المجتمعي الشامل».
وفي مقابل النبرة الهادئة تجاه مصر، شنّ أمير قطر هجوماً كاسحاً على العراق، إذ حمّل حكومة المالكي مسؤولية الفشل في الحفاظ على الوحدة الوطنية، مردفاً: «لا يجوز أن ندمغ بالإرهاب طوائف كاملة وأن نلصقه بكل من يختلف معنا سياسياً فشأن ذلك أن يعمم الإرهاب بدلا من أن يعزله».
قمّة فلسطينية
ودعا الشيخ تميم بن حمد إلى عقد قمّة عربية مصغرة بهدف التوصّل إلى مصالحة بين الفصائل الفلسطينية، لافتاً إلى أنّ «القضية الفلسطينية لا تزال تشكّل أهم التحدّيات التي تواجه الأمّة»، مشدّداً على أنّ «تنصّل إسرائيل من التزاماتها يبقى عقبة أمام التوصّل إلى تسوية سلمية عادلة».
وأبدى استعداد بلاده لاستضافة القمة المصغرة بمشاركة الدول العربية التي ترغب في الإسهام، حاضاً القيادات الفلسطينية على إنهاء الانقسام وتغليب المصلحة الوطنية العليا من خلال تشكيل حكومة ائتلاف وطني انتقالية تقوم بإنجاز المهام الدستورية والتنفيذية لاستعادة الوحدة الوطنية، داعياً إلى رفع الحصار الخانق المفروض على قطاع غزّة.
وحول الأوضاع في سوريا، اعتبر أمير قطر أنّ «النظام السوري شارك بمفاوضات «جنيف 2» رغماً عنه ولتمرير الوقت فقط، وأنّ النظام السوري ماض في غيّه، مضيفاً أنّ «معاناة أطفال سوريا وصمة عار في تاريخ المجتمع الدولي»، مستطرداً: «لا يمكن أن تقضي الأسلحة الكيميائية وفوهات البنادق على تطلعات الشعوب».
العربي يشكو ضعف الجامعة
من جهته، أقرّ الأمين العام للجامعة العربية د. نبيل العربي بأنّ خلافات الدول الأعضاء أضعفت الجامعة وأقعدتها عن القيام بواجبها إزاء مواجهة التحدّيات الحقيقية التي تواجه المنطقة، ومن بينها مكافحة ظاهرة الإرهاب كأكثر القضايا محورية.
ودعا العربي إلى الوقوف على الأسباب الحقيقية للخلافات العربية – العربية والتعامل معها بشفافية، ووضع حلول ناجعة لها من أجل تحقيق التضامن العربي، لافتاً إلى أنّ «انعقاد القمة العربية في الكويت يعطي بارقة أمل في تجاوز هذه الخلافات، مؤكدا أهمية ترجمة شعار القمة «قمة للتضامن من أجل مستقبل أفضل» إلى خطوات ملموسة لتعزيز العمل العربي المشترك.
وشدّد أمين عام الجامعة على ضرورة إعداد استراتيجية شاملة لمواجهة تحديات الأمن القومي العربي من أجل الانطلاق نحو مستقبل أفضل. وانتقد عجز مجلس الأمن الدولي عن اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار في سوريا، واصفاً ما يحدث في سوريا بـ «المأساة» التي تلقي بظلالها على المنطقة بأكملها وأكبر مآسي القرن الحادي والعشرين.
ومن المنتظر أن يصدر اليوم في نهاية أعمال القّمة البيان الختامي وإعلان الكويت واللذان يرتقب أن يؤكدان على رفض مبدأ يهودية دولة إسرائيل ومكافحة الإرهاب فيما لن يتطرّقا للخلافات الخليجية.
عباس يرفض تقسيم الأقصى
أكّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى المبارك بين المسلمين واليهود، وأنّ هناك تنسيقاً مع الأردن التي ترعى الأوقاف الإسلامية في القدس، والمغرب رئيسة لجنة القدس، بشأن الحيلولة دون حدوث ذلك.
وقال الرئيس عباس، إن الحكومة الإسرائيلية لم توفّر فرصة إلا واستغلتها لإفشال الجهود الأميركية، وتطرح علناً قناعتها بأن ما يواجهه وطننا العربي من تحديات يفقده القدرة على الرد والتصدي، ما يفتح المجال أمامها للاســـتفراد بــشعبنا، مضيفاً أنّ «بلورة مواقف توافقية حول القضايا الرئيسة من الدول الأعضاء سيسهم كثيراً في تعزيز القدرة على حماية الأمن القومي العربي، وإن الإصغاء إلى متطلبات شعوبنا سيسهم في ارتياد طرق تلبي مطالبها في الديمقراطية والتنمية والتقدم.
– البيان ( ظاعن شاهين )