منذ كان على مقاعد الدراسة قُدّر للشاب محمد حسن الحاج، الهجرة إلى كندا، حيث تعلّم واندمج بالثقافة الكندية، وواكب متطلّبات سوق العمل فيها. وما لبثت فكرة الحدائق الخضراء أن ترسّخت لاحقاً في عقله ووجدانه، وكانت سبباً لعدم متابعته علومه وانصرافه للبحث عن مشروع زراعي يجسّد طموحاته وآماله المنشودة.

ويقول الحاج، البالغ من العمر 35 عاماً، أثناء زيارته لبيروت إنه نشأ في بيئة زراعيّة، وكان لديه ميل للعمل في الحقل الزراعي.

واستكمالاً لأبحاثه ودراساته، وضع العديد من التصاميم لإنشاء نموذج للحدائقه الخضراء على أسطح الأبنية في مونتريال، آخذاً بعين الاعتبار مجمل التحديات التقنيّة والتكنولوجيّة، بما فيها تغيّرات المناخ هناك والتكلفة الباهظة للتدفئة والنقل والتعليب وغيرها من المشاكل الفنيّة والبيئيّة واللوجستيّة.

وعلى مدار ثلاث سنوات، لم تنقطع تنقلات الحاج للكشف على أسطح الأبنية الكبيرة في قلب مونتريال، إلى أن اكتملت لديه صورة كاملة عن إقامة مشروع للحدائق الخضراء انتهى العمل به عام 2011، وبدأ قطافه الأوّل بعد أربعة أشهر من العام نفسه.

وأطلق الحاج تسمية لمشروعه الواعد «لوفا»، وهو اسم مستوحى من نبتة الليفة، التي تنتشر زراعتها في العديد من القرى اللبنانيّة، ويتدلّى منها الليف الطويل المستخدم للاستحمام أو التجارة.

وتمحورت اهتمامات الحاج في منطقة «لافال»، إحدى ضواحي مونتريال، على مساحة 3700 متر مربع، توفّر الخضراوات الطازجة لنحو ستّة آلاف شخص، بتكلفة وصلت إلى مليونَي دولار. وهو مقسّم إلى أحواض طويلة، بعضها مخصّص للمزروعات الدافئة، وبعضها الآخر للمزروعات الباردة. وجميعها ترتوي بنظام «الزراعة بالماء» أو ما يُسمّى «تكنولوجيا هيدروفونيك»، أي عمليّة خلط السماد بالماء وتوزيع الري أوتوماتيكيّاً عبر شبكة من الأنابيب على المزروعات كافّة، ما يعني أنّ سطح البناء يبقى نظيفاً لا يلوّثه ماء أو تراب أو سماد.

ويُغطّى المشروع ببيوت بلاستيكيّة شفّافة تسمح بدخول أشعّة الشمس، وتتدلّى من جوانبها ستائر عازلة للحرارة أو البرودة.

ويفرض الحاج حظرا كاملا على استخدام المبيدات الكيماويّة السامّة، ويعتمد في حماية المزروعات على البكتيريا أو الحشرات المفيدة، كحشرة «الدسعوقة»، التي تتغذّى على حشرة «المنة» البيضاء، وعلى النحل للتلقيح.

وتمتاز المزرعة التي أنشأها الحاج بأنّها صديقة للبيئة، وأقلّ استهلاكاً للطاقة والمياه، وخضراواتها طازجة (تُقطف بشكل يومي) وصحيّة، وتحتفظ بكامل مكوّناتها الغذائيّة.

وتوزّع منتجات المزرعة على المستهلكين بوساطة سلال تتراوح أسعارها بين 20 و40 دولاراً، ويتمّ شراؤها عبر موقع الشركة على الإنترنت (‏lufa.com) إمّا باشتراكات أسبوعيّة أو شهريّة. ويجري إيصالها إلى الأماكن التي يحدّدها المستهلكون. ويعمل فيها 30 موظّفاً بين فنيين ومزارعين وموزعين، وتُشرف على أعمالها أربع فرق متخصّصة بالتغذية والإنتاج وخدمة العملاء والتوزيع. وأشار الحاج إلى أنّ المشروع مجهّز بكامله بنظام تحكّم ومراقبة إلكترونيَين من بعد، بغية التأكّد من حُسن سير العمل ومواكبة كلّ ما يجري فيه من أي مكان في العالم.

وكشف الحاج عن مشاريع عدّة جديدة يجري التحضير لها، منها مشروع يجري العمل به حاليّاً في مونتريال، ويفوق بمساحته خمسة أضعاف المزرعة الحاليّة، ومشاريع أخرى في بعض المقاطعات الكنديّة وفي مدينة بوسطن الأميركيّة (ولاية ماساتشوستس).

والجدير ذكره أنّ مزرعة اللبناني الحاج استأثرت باهتمام وسائل الإعلام الكنديّة والأميركيّة، وأُفردت لها مساحات واسعة وبعناوين جذّابة، مثل: «جنائن خضراء معلّقة في سماء مونتريال»، «السطوح تنبت خضراوات»، و«شاب لبناني يُنشئ أوّل دفيئة في العالم في مدينة مونتريال».

– الاتحاد