يحيى القيسي
لا أحسب نفسي عاشقاً مخلصاً للرياضات الكثيرة، ولا أتابع انتصارات الفرق العالمية وهزائمها سواءً في كرة القدم أو في غيرها من الرياضات الشهيرة، غير أني أحرص على مواكبة ذلك الكرنفال الضخم “كأس العالم” مرة كلّ أربع سنوات، إذ تتجلى فيه خلاصة الخبرات الرياضية القادمة من دول عديدة للتنافس في حرب بيضاء لا قاتل فيها ولا مقتول، ولا جرحى، هدفها تسلية المشاهدين، ورفع حمية اللاعبين، وتقديم لوحة متقنة لصراع فني لمن يستطيع استخدام قدميه للاستحواذ على الكرة، وتوظيف فكره للمناورة، والاشتغال على الإعلاء من قيمة العمل الجماعي، وروح الفريق، وأيضا توحيد القلوب على محبة هذا البلد أو ذاك برفع أعلامه، والفخر بسماع نشيده الوطني .
لقد أصاب هوس الكرة، العامة والخاصة، ولم يسلم منه أديب ولا فنان ولا أميّ، لا بل تعدى الأمر إلى رؤساء الدول الذين يحرصون على مشاهدة المباريات أولاً بأول، وبثّ روح الانتصار في فرق بلادهم . لاحظوا ماذا فعلت ميركل في مباريات ألمانيا، وكيف يتابع أوباما فريق أمريكا، والأمثلة أكثر من أن تذكر، ولاحظوا أن موقف أديب مثل باولو كويللو من إقامة المونديال في بلاده البرازيل كان مدار شدّ وجذب، إذ إنه تحمس له في البداية ثم سرعان ما أصبح من المعارضين بسبب التكاليف الفلكية التي ستصرف عليه، إذ يرى أن أبناء بلاده الذين يضربهم العوز وتستشري فيهم الفاقة لهم الأولوية في هذا المال، لكنّ مسألة رياضية واقتصادية خطرة مثل هذه قد لا يتقن كويللو فهمها جيداً، ولا ما ستأتي به لبلاده على المدى القصير والبعيد، ولهذا لم يكن له الكثير من التأثير في القرار رغم شهرته العالمية وكتبه التي تباع مثل ساندويشات النقانق كما يقال .
وفي سياق التأثر في عالم الرياضة من الأدباء العرب أيضاً فقد قرأت مؤخراً عن إصدار قصصي للروائي الفلسطيني يحيى يخلف خاص بالأطفال بعنوان “ميسي والكرة والجدار” وهذا كما يبدو لي يندرج في إطار ربط شخصيات كروية شهيرة، أصبحت مثلاً أعلى للأطفال والشباب العرب، من أجل قضية وطنية نبيلة وعالمية مثل فلسطين .
مؤخراً بدأت حمى الكرة اللذيذة تستشري أكثر بين الناس، وصار لها أيضاً أغلبية كبرى من النساء المشجعات، بل أصبح هناك فرق كرة قدم نسائية تخوض مباريات دولية، وصار أثر الكرة ينتقل إلى أماكن العمل، والجامعات، والمدارس، لا بل إنه يقسم البيت الواحد إلى مشجعين لهذا الفريق أو ذاك، لكنّ هذا الحماس أو التشجيع يبقى سلمياً، وصحياً ومطلوباً، فثمة طاقة للغضب، أو الانحياز عند الإنسان، ومن الضروري أن تجد مسرباً لها لا يؤذي أحداً، وأحسب أن الرياضة هي المجال الأجمل لتفريغ هذه الطاقة سواء بالتشجيع أو حتى باللعب، وكما أشرت من قبل فهي “حرب بيضاء” نظيفة وخالية من الدماء، والأشلاء، مع اعتبار أن بعض العنف الذي يحصل في المدرجات هو أمر تحت السيطرة في نهاية المطاف، ولا يمكن بحال من الأحوال مقارنته بالعنف القتالي بالأسلحة المدمرة والطائرات بين مختلف الأطراف، وأرى أن يتم الاهتمام أكثر بهذه الرياضات، وتوفير الأمكنة لممارستها، وإيجاد خطط استراتيجية لنشرها على نطاق واسع مع التركيز بالطبع على مسألة الأخلاق، والتوازن النفسي للممارس والمشجع، وأيضا ربطها بالعمل الثقافي بشكل أو بآخر، حتى تغدو الأندية التي تجمع الشباب فيها والأطفال منارات بناء للإنسان، تنشر ثقافة المحبة والتآلف والعمل المشترك والروح الوطنية الإيجابية وبالتالي يغدو المجتمع سليماً ومنحازاً للحياة ومنفتحاً على المجتمعات الإنسانية الأخرى بعيداً عن نشر ثقافة الانغلاق والدمار.
– الخليج