فشل البرلمان العراقي في جلسته الأولى أمس في انتخاب رئيس له، وسط فوضى دستورية عارمة وتراشق كلامي حاد، ليستنسخ بذلك الانقسام الذي ظلل عمل البرلمان السابق لأربع سنوات، في وقت تقاتل البلاد لوقف زحف مسلحين متشددين باتوا يحتلون أجزاء واسعة منها. وقرر رئيس البرلمان المؤقت «رئيس السن» مهدي الحافظ رفع جلسته الأولى إلى الثامن من الشهر الجاري بسبب اختلال النصاب في حضور النواب الذي بلغ 150 نائبا، بعد انسحاب كتلة الأكراد واتحاد القوى الذي يضم ائتلاف «العربية» بزعامة صالح المطلك، وائتلاف «متحدون للإصلاح» بزعامة أسامة النجيفي، في الجلسة الثانية التي أعقبت جلسة أداء اليمين. وطالب اتحاد القوى بعد رفع الجلسة الأولى برئيس وزراء بديل وببرنامج حكومي يتطلع إليه العراقيون جميعا، كما طالب بهدنة وقف إطلاق النار «لتمييز إرهابيي داعش من أصحاب الحقوق المشروعة».
وقال النائب مهدي الحافظ، الذي ترأس الجلسة لكونه أكبر الأعضاء سنا بعد تشاوره بشكل علني مع نواب، قدموا تفسيرات متناقضة للدستور «ترفع الجلسة إلى الأسبوع المقبل وتحديدا في يوم 8 يوليو لحين توصل الكتل النيابية إلى اتفاق بشأن تسمية رئيس لمجلس النواب ونائبيه».
وكانت الجلسة التي حضرها المالكي وقياديون آخرون بينهم رئيس «الائتلاف الوطني» إبراهيم الجعفري ورئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، بدأت بأداء اليمين الدستورية التي تلاها الحافظ على النواب، ورددها هؤلاء من بعده. ثم تلت النائبة الكردية آلاء طالباني اليمين الدستورية باللغة الكردية ليرددها من بعدها النواب الأكراد في البرلمان.
وقال الحافظ في كلمة افتتح بها الجلسة، إن البرلمان الجديد أمام تحد كبير لجعل الدورة الثالثة لعام 2014 أداة حقيقية للمفهوم التشريعي والرقابي. وأضاف أن «جلسة اليوم مبنية على أداء اليمين الدستوري واختيار رئيس البرلمان ونائبيه». وأشار إلى أن «عقد جلسة اليوم يعد حدثا كبيرا أمام العراقيين وفق ما يمر به البلد من أوضاع أمنية، ولا بد من الوصول إلى تفاهمات لوضع حد للانتهاكات الأمنية التي حصلت في الأسابيع الماضية.
وبين أن «استقرار الأمن هو الطريق السالك للتنمية والإصلاح». كما تذكر الحافظ رئيس الجمهورية السابق جلال طالباني إذ وصف غيابه بأنه «كان تهديدا للوحدة الوطنية». وطالب الحضور بـ»محاربة الطائفية واحترام جميع الطوائف في العراق واحترام المواطنة وبناء دولة المؤسسات»، مبينا أنه «بدون ذلك يبقى البلد ضعيفا».وقال الحافظ إن 255 نائبا حضروا الجلسة من بين 328 نائبا، معلنا بذلك تحقق النصاب القانوني وبدء عملية اختيار رئيس المجلس النيابي الجديد.
وطلبت النائب الكردية نجيبة نجيب التحدث، فدعت رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي إلى «فك الحصار» عن إقليم كردستان العراق، عبر دفع المستحقات المالية للإقليم من الموازنة العامة والمجمدة منذ أشهر. وما إن تدخل الحافظ ليبلغ النائبة الكردية بأن هذه الجلسة مخصصة لموضوع انتخاب رئيس المجلس ونائبيه فقط، حتى صرخ النائب محمد ناجي المنتمي إلى منظمة «بدر الشيعية»، «تريدون أن نفك الحصار عن داعش؟»، في إشارة إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». وذكر مراسل وكالة فرانس برس في القاعة أن نوابا سنة انسحبوا من الجلسة بعد عبارة ناجي.
ثم تدخل النائب كاظم الصيادي المنتمي إلى «دولة القانون» بزعامة المالكي ليقول إن رئيس إقليم كردستان «مسعود بارزاني أكبر عميل وخائن، تصدرون النفط إلى إسرائيل وتنزلون العلم العراقي، سنسحق رؤوسكم وسنريكم ماذا نفعل بعد انتهاء الأزمة». وأعلن بعدها الحافظ عن استراحة لمدة نصف ساعة.
وعاد إلى القاعة بعد انتهاء الاستراحة 150 نائبا، لتعصف بها فوضى عارمة، حيث قال نواب: إن النصاب لم يتحقق إذ أن عدد النواب الحاضرين أقل من الثلثين، بينما قال نواب آخرون إن النصاب متوفر لأن الجلسة بدأت صباحا بحضور 255 نائبا. ثم بدأ رئيس الجلسة نقاشا مع النواب حيال إمكانية تأجيلها، أو إبقائها مفتوحة، أو فضها، فكان لكل من النواب الذين تحدثوا تفسيره الخاص للدستور، قبل أن يعلن الحافظ عن فض الجلسة والاجتماع مجددا بعد أسبوع من اليوم، وتم تحديد 8 يوليو موعدا لذلك.
وبعد رفع الجلسة الأولى عقد تحالف القوى الوطنية مؤتمرا صحفيا في مبنى البرلمان، قال القيادي فيه والنائب ظافر العاني بحضور عدد من القياديين والأعضاء: إن «التحالف يطالب برئيس وزراء بديل وببرنامج حكومي يتطلع إليه العراقيون جميعا».
وأضاف: إن «تحالف القوى العراقية يؤكد على احترامه التوقيتات الدستورية، ووجد أنه من المناسب حضوره الجلسة الأولى لمجلس النواب وأداء القسم القانونية فقط، ويترك الوقت للحوارات من أجل اختيار المرشحين للرئاسات الثلاث، وأنه لبداية التغيير لتحقيق المطالب العادلة لجمهورنا».
وأوضح العاني: «لابد من التمييز بين المطالب القانونية لجماهيرنا المنتفضة، وما بين الأعمال الإرهابية لداعش، وأي محاولة لوصف المحتجين بالإرهابيين غير صحيحة ونرفضه ولا يساعد على تعزيز الاستقرار». وأضاف: «ندعو إلى هدنة لوقف إطلاق النار من أجل عزل إرهابيي داعش عن أبناء العشائر وأصحاب المطالب العادلة، وحل المشاكل الإنسانية المتردية لملايين المهجرين والنازحين، ونقدم أيادينا مفتوحة لكل الشركاء للتعاون وللحفاظ على وحدة العراق وأمنه واستقراره».
من جانبه قال رئيس ائتلاف العربية صالح المطلك إنه: «من المهم أن نبدأ بمرحلة جديدة وأن تكون هناك اجتماعات لوضع خطة لمعالجة الاخفاقات الماضية وهو أهم من اختيار رئيس الوزراء عندما نتفق على أسس واضحة بالإيمان، إن المرحلة السابقة كانت مليئة بالأخطاء وعلينا أن نبدأ مرحلة جديدة ننهي كل الأخطاء والإخفاقات والشعور بالغبن والتهميش». فيما قال القيادي أسامة النجيفي: إن «بياننا واضح بضرورة وجود رئيس وزراء بديل يؤمن بالشراكة والتوازن وحقوق الشعب».
وإلى جانب انتخاب رئيس مجلس النواب، ينص الدستور العراقي على أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوما من تاريخ انعقاد أول جلسة للبرلمان. ويكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، على أن يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ التكليف.
وتطغى مسألة ترشح المالكي الذي يحكم البلاد منذ العام 2006 لتولي رئاسة الحكومة لولاية ثالثة على العملية السياسية في العراق، إلا أنه بدا اليوم أن حتى رئاسة البرلمان مسألة معقدة تحتاج إلى توافقات سياسية عابرة للكتل. وفازت لائحة المالكي بأكبر عدد من مقاعد البرلمان (92 من بين 328) في الانتخابات التشريعية التي جرت في أواخر أبريل الماضي.
ويتعرض المالكي إلى انتقادات داخلية وخارجية خصوصا حيال استراتيجيته الأمنية، في ظل التدهور الأمني الكبير في البلاد وسيطرة المسلحين المتطرفين على مساحات واسعة من العراق، ويواجه كذلك اتهامات بتهميش السنة واحتكار الحكم. ويطالب خصومه السياسيين كتلة «التحالف الوطني» بترشيح سياسي آخر لرئاسة الوزراء، فيما يصر هو على أحقيته في تشكيل الحكومة.
الاتحاد