علي أبو الريش
المجالس الشعبية في رمضان، خيام تضم تحت أجنحتها السرد الإماراتي، وما تحفظه الصدور من مشاهد وصور وأحاديث وحكايات ماض ترصع دائماً بحلي الفرح، ما يجعله دائماً الذاكرة المنحوتة في اللوح المحفوظ، تزيد رياح التغيير لمعاناً وصولجاناً، وأشجاناً وحناناً، وافتناناً.. الماضي الذي على رمل الذاكرة تاركاً أثر خطواته محفورة في الوجدان، والبيان، والبنيان، والأفنان لا تغيب عنه الشمس، بل تزيده أمطار العصر، عشباً قشيباً، وأثراً خصيباً وغصناً وطيباً، ماض يحلو زمانه ومكانه وإنسانه وتبيانه عندما تدور مراوحه تحت سقوف خيام تجمع الصغار، مع الكبار ويتداول الجميع القصص والأفكار، ويتلمسون عباراته على صفحات الذاكرة، بُحلُم وحِلْم وعلم ونهم وفهم ونغم ماض يسكنه الجميع كما يسكن الماء العذب قاع الأنهار، وتحت أضواء الليالي المزدهرة بالفرح، تشرق الابتسامات المتألقة وتتفرع غصونها باخضرار وازدهار.
المجالس الشعبية، تعيد للإنسان ما كان في ذلك الزمان وتستدعي بحنان مشاعر سافرت بعيداً، لكنها لم تقطع الاتصال، ولم تمنع الوصال لأنها مشاعر الصحراء، النبيلة مشاعر الخصال الفضيلة والأخلاق الأصيلة، مجالس تحتفي مع القهوة العربية، بالثوب الأبيض، وعقال الحشمة والنقاء تحتفي بالإنسان الذي ما زلَّ وما خلَّ وما كلَّ وما ملَّ، من قرض قصيدة الوطن على مدى الزمن متيماً بالأرض وتاريخها وأشخاصها أولئك الذين غرسوا أوتاد المضارب عند سهول القلب، وتابعوا السير، ذهاباً وإياباً نحو غايات الإبل النجيبة، والجياد اللبيبة، قابضين على جمرات العشق، بشغاف الأفئدة، المجالس الشعبية، الشيمة الإماراتية، التي أثثت الوجدان بالألفة والأرواح المؤتلفة من البحر إلى البحر، ومن اليابسة حتى آخر السطر، شعب تكرس منذ الأزل، على التجانس، والتآنس، والانسجام ضمن دائرة الوطن، ضمن حدقته الواسعة المشرقة بأحلام البناء والنهوض، والتطور والرقي.. المجالس الشعبية، حلقات ذِكْر وتذكر، وتفكر وتبصر وتأمل وتجدل وتفضل بأسداء الحكايات ما تتضمنه من معان رفيعة وشأن عال يملأ أوعية رمضان وصحونه وصوانيه بالزاد والازدياد من علم، ينفع وخبرة ترفع وعِبرة تشفع المجالس الشعبية تعبير صريح، عن عادة ابن الإمارات الاجتماعية وصلته بالواقع، والتصاقه بشؤون بلده وهموم الناس أجمعين.
المجالس الشعبية، الواحة الفيحاء، النابضة بالحياة والحيوية، ورغبة الإنسان في الالتفاف دوماً حول نواص الوطن، وفي صلب دائرته تدور الطموحات والرغبات وكل ما يشغل العقل، ويحرك أجنحة القلب.. المجالس الشعبية صمام الأمان وبؤرة الاطمئنان لوطن يجتمع ذووه على كلمة سواء بلا انحناء أو التواء وتسير المخيلة دوماً باتجاه ما يحفظ الوطن من كل غث ورث.
المجالس الشعبية، فلسفة المعرفة بما أسدته الصحراء لشجيراتها، الغارفة معين المثابرة.
– الاتحاد