عائشة سلطان
لفت نظري حديث الصغيرتين، هما طفلتان لا تشبهان شيئاً سوى البراءة والطهر، تلعبان بلا توقف، بعذوبة مطلقة، وحين انتزعت إحداهما لعبة الأخرى الأكبر منها، التفتت لها هذه وقالت بلهجة إماراتية مكسرة بعض الشيء “الله سيأخذك إلى النار”.
أصبتُ بذهول حقيقي حين نطقت الطفلة كلمة النار بالإنجليزية وكلمة الله بالفرنسية وباقي الجملة بعربية ركيكة تشبه طريقة السائق الباكستاني، اتضح فيما بعد أنهما من أم أجنبية وأب إماراتي وتتعلم الكبرى في مدرسة إنجليزية خاصة وقد أصرت والدتهما، وليس والدهما، على أن تدرس الصغيرة منهجي اللغة العربية والتربية الإسلامية.
الموقف كله ملتبس وإشكالي في الحقيقة، حالة ثقافية معقدة حتى وإن بدت شائعة في مجتمع الإمارات، لكن الذي استوقفني أكثر أن تهدد طفلة في الثامنة شقيقتها التي هي في الثالثة من عمرها بالذهاب للنار لمجرد أنها أخذت منها لعبتها.
حتى وإن بدا الأمر لعب أطفال، فهذه الطفلة قد استقت هذه المعلومة البشعة من معلمة التربية الإسلامية بالتأكيد.
لقد تداعت لحظتها إلى رأسي كل الصور التي يتم تداولها هذه الأيام عن جرائم الحروب الدينية المبرمجة في الجغرافيا العربية، حروب القاعدة والإخوان والنصرة وداعش وكل المتخلفين الذين يدورون في الفلك نفسه، إنها الثقافة نفسها بشكل أو بآخر شئنا أم أبينا.
لقد تعلمنا في مدارس حكومية في سن مبكرة جدا وتعلمت أجيال بعدنا في مدارس أجنبية خاصة، ومع ذلك ظلت نفسيات الجميع محصنة بقدر كبير من ثقافة العنف والتطرف قولا وفعلا بسبب أنماط التربية المنفتحة والحريصة التي نشأنا عليها، كما أننا كنا محظوظين لأننا لم نواجه بهذا الكم الهائل من رجال الدين والمحطات الدينية والبرامج الدينية الموجودة والمنتشرة حاليا.
كان هناك شيخ واحد يظهر بلباس أبيض دائما ومبتسم دائما، هو الشيخ محمد عمر الداعوق رحمه الله، وكان حين يأتينا إلى المدرسة غالبا ما يوزع الحلوى على الطلاب، ثم ظهر رجل الاعتدال الكبير الشيخ محمد الغزالي ومصطفى محمود رجل العلم والإيمان، وبعدهما كان الشيخ محمد متولي الشعراوي، قمم في الرقي والعلم والوعي الديني، وبعد رحيل هؤلاء اختلط الحابل بالنابل.
اليوم ليس أكثر من رجال الدين والمشايخ، صارت برامجهم موضة وصاروا هم نجوم الشاشات لهم أسعارهم الخرافية وقنواتهم ومعجبوهم ومعجباتهم وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، تماما كلاعبي كرة القدم والمطربين والممثلين ينافسونهم في أعداد المتابعين وفي استقطاب الجماهير وفي الأجور.
ولا بأس في مسايرة لغة العصر والوصول للناس بوسائلهم، لكن المصيبة انه كلما زادت “تجارة الدين” قل الدين وتلاشى التدين في قلوب الناس، وكلما زادت برامج الإفتاء زاد الجهل بأمور الحياة والدين إلى درجة أن الناس ما عادت تعرف إذا كان الشرب والأكل والتقبيل مما يفطر في نهار رمضان أم لا؟؟ وربما يعرفون لكنهم يسخرون من الدين ومن المشايخ وهم يوجهون إليهم نفس الأسئلة كل رمضان.
الخوف كل الخوف من اشتعال التطرف في مجتمعنا ووصوله لعقول وحياة الصغار والأجيال الصغيرة، نحن نعيش خطرا كبيرا علامته الفارقة ووسائله وأدواته استغلال الدين وتوظيفه كفتيل مشتعل، يبدأ من حيث لا ندري وسينتهي بنا إلى حيث لا يعلم سوى الله وأصحاب المشروع التخريبي الكبير.
– الاتحاد