أكد الدكتور حميد مجول النعيمي رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك أن إنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة لأول وكالة فضاء عربية، استعداداً لإطلاق أول مسبار عربي إسلامي إلى المريخ عام 2021 يشكل مصدر فخر واعتزاز لكل عربي مهتم بالعلوم الفضائية، وأشاد النعيمي برؤية قيادة دولة الإمارات ممثلة في صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، التي تعكس المستقبل المشرق لهذه الدولة الفتية، والتي سوف تحتفل في العام 2021 بالعيد الوطني الخمسين.

وأضاف الدكتور النعيمي إن وكالة الفضاء الإماراتية شكلت لنا جميعاً منعطفاً يجب التوقف عنده، لنستطيع استيعاب هذه الخطوة ومواكبتها كعلماء ومهتمين بالفضاء، وأصبحت الإمارات بفضل هذه الخطوة العملاقة تحمل كل آمال الأمة العربية في إعادة مجدها العلمي التليد، وأشار الدكتور النعيمي إلى أهمية علوم الفلك والفضاء في الوقت الحالي لكل الدول، مؤكداً أنها لم تصبح نوعاً من الترف كما كنا ننظر إليها في السابق، فعلوم الفضاء أصبحت تدرس في المراحل التعليمية المبكرة، وأصبح لها تطبيقات مباشرة في مختلف الحقول العلمية والتقنية والاقتصادية.

جاء ذلك في حوار أجرته صحيفة «الاتحاد» مع الدكتور حميد مجول النعيمي رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك على مدى دوراته الأربع الماضية، ليتعرف القارئ أكثر على هذه الخطوة التي اتخذتها الدولة وأهمية كوكب المريخ، وغيرها من الأمور العلمية الخاصة بالفضاء.
◆كيف استقبلت المفاجأة العلمية التي أعلنتها دولة الإمارات بإنشاء وكالة الفضاء الإماراتية وإطلاق أول مسبار عربي إسلامي إلى المريخ عام2021 ؟

◆كان إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بإنشاء وكالة الفضاء الإماراتية وبدء العمل في مشروع إرسال أول مسبار عربي إسلامي لكوكب المريخ بمثابة فتح صفحة جديدة في تاريخ الفضاء العلمي عليها اسم دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة التي حققت العديد من المعجزات في التطور والتقدم خلال فترة وجيزة من تأسيسها، وبهذا الإعلان العلمي فتحت الإمارات مجالاً جديداً ليس لها فحسب، بل لكل الوطن العربي، نستطيع من خلاله الإسهام في البحث العلمي والتكنولوجي لعلوم الفضاء، وكان لهذا الحدث العلمي أثر كبير على علماء الفضاء والفلك العرب والمسلمين، أما نحن في الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك فسعادتنا لا تحدها حدود.

فوكالة الفضاء الإماراتية أصبحت تمثل لكل عالم فضاء عربي الأمل في إنجاز الكثير من البحوث الخاصة بالفضاء، وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بإطلاقه هذا المشروع ليحلق في فضاء الواقع إنما يحول به أحلامنا كعلماء عرب إلى واقع نستطيع تحقيقه من خلال هذا المشروع العلمي والحضاري.

◆بماذا تقيمون مشروعات الفلك وعلومه والفوائد العلمية له؟

◆لم تعد علوم الفلك والفضاء نوعاً من الترف العلمي، الذي يخوض الإنسان فيه مدفوعاً بحب الاستطلاع والرغبة في المعرفة فحسب، بل أصبحت علوم الفضاء من العلوم ذات التطبيقات المباشرة على الحياة البشرية في مختلف مجالات النشاط العلمي والتقني والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، مثل دراسة المجالات الفضائية وتقنية الاتصالات اللاسلكية وتقنية المعلومات الخاصة بكوكب الأرض من الفضاء، ودراسة موارد الأرض الطبيعية باستخدام الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، فضلاً عن استكشاف الفضاء الخارجي من كواكب ونجوم ومجرات، وكل ذلك ينعكس على الدراسات الأخرى مثل الطب والزراعة والصناعة.

◆أين نحن في العالم العربي من الفضاء ؟

◆رغم التقدم الهائل في مجالات الفضاء والفلك في كثير من دول العالم، إلا أننا نجد أن مساهمات الوطن العربي متواضعة جداً، ويمكن أن نجد بعض المساهمات في مصر والعراق والسعودية والأردن والجزائر، إلا أنها ليست بمستوى الطموح الذي يمكن من خلاله خدمة الأمة العربية، من هنا جاءت أهمية المبادرة التاريخية لدولة الإمارات العربية المتحدة إنشاء وكالة فضاء إماراتية وإطلاق أول مسبار عربي إسلامي إلى المريخ عام 2021 ، وأصبحت الإمارات في مصاف دول العالم المتقدم في استكشاف الكون ومحتواه، وليس هذا فحسب وإنما وبنقل التكنولوجيا إلى العرب عامة والإمارات خاصة لإعداد كوادر شبابية إماراتية وعربية فضائية وفلكية يُفتخر ويُعتز بها كل من ينتمي للوطن العربي.

وإحداثيات دولة الإمارات العربية المتحدة مناسبة جدا لإنشاء مؤسسة علمية فضائية وتكنولوجية، تصبح المركز الرئيسي في توزيع الأرصاد والبيانات الفضائية والفلكية على بقية دول العالم العربي والإسلامي، وستكون بالتأكيد خطوة جريئة لوضع المؤسسات العلمية في دولة الإمارات والوطن العربي على المسار العلمي الصحيح لنلحق بالركب الحضاري العلمي والتكنولوجي في هذا المجال الهام.

◆لماذا الاهتمام بكوكب المريخ ؟

◆المريخ هو الكوكب الرابع من حيث بعده عن الشمس، وهو أول كوكب بعد الأرض يكون في أقرب نقطة إلينا على بعد 60 مليون كم تقريباً، وحرارة سطحه تتراوح بين (17 درجة مئوية ظهراً و – 80 درجة مساءً) ويقترب معدلها من (-120) درجة عند القطبين، يكون الجو فيه خانقاً لا يصلح للتنفس، إذ أنه يتألف من 95% من غاز أكسيد الكربون، وترابه جاف بشكل كامل ولكن يمكن الحصول على الماء بسهولة وبكلفة غير باهظة باستخدام محركات تعمل بالطاقة الشمسية في ظروف ضغط جوي منخفض « حيث إن الضغط الجوي على سطح المريخ أقل بكثير مما هو على سطح الأرض»، ويمكن استخلاص الأوكسجين من تحليل ثاني أكسيد الكربون بطريقة تعتمد على سلسلة من التفاعلات الكيميائية، لذلك فإن احتمالية استيطان الكوكب الأحمر من قبل سكان الأرض واردة جداً، ومن هنا جاءت أهمية هذا الكوكب الصغير مقارنةً بكواكب المجموعة الشمسية الأخرى.

ونجد أن المؤسسات الفضائية العالمية تخطط إلى استكشاف المريخ واستيطانه على عدة مراحل، في المرحلة الأولى تتم عملية نقل نباتات مائية (طحالب) وبكتريا لزرعها في تربة المريخ، وفي المرحلة الثانية يتم بناء حقول زراعية مؤلفة من خيم بلاستيكية، ينمو فيها الخضار بواسطة رطوبة المريخ، أما في المرحلة الأخيرة فيتم إقامة نظام بيئي اقتصادي مصغر، وبما أن تربة المريخ ليست مثالية للزراعة فيتوجب غسلها وتطهيرها من المواد السامة التي تحتويها، ويمكن الاستفادة من هذه المواد لإنتاج حامض الكبريتيك والإسمنت والجبس والزجاج والورق والمطاط، إلخ من مواد ضرورية لاستيطان المريخ.

◆ما المساعي العالمية التي سبقت استكشاف والتخطيط لاستيطان الكوكب الأحمر؟

◆ أرسلت روسيا مركبتين فضائيتين إلى الكوكب لاستكشاف أقماره كانت إحدى هاتين المركبتين مدارية حول القمر فوبوس «أحد أقمار المريخ» والأخرى هبطت على سطحه، وبسبب جاذبيته القليلة سارت على شكل خطوات متقطعة (قفزات)، ومشروع العربة باث فايندر (PathFinder) الأميركي كان خير مثال على غزو المريخ، وهناك مشروع مستقبلي يتضمن إرسال ثلاثة رواد فضاء إلى المريخ بواسطة مركبة فضائية مشابهة إلى المركبة ساليوت، وستقطع المسافة من الأرض إلى المريخ بحوالي تسعة أشهر ذهاباً وتسعة أشهر إيابا، وهناك مشروع دولي لإرسال الإنسان إلى المريخ وقد يتحقق خلال السنوات العشرة القادمة، وبالتأكيد فإن مسبار الإمارات الفضائي المخطط إرساله إلى المريخ عام 2021 سيكون من المشروعات الفضائية العالمية المهمة في استكشاف المريخ واستيطانه مستقبلاً.

◆كيف تتصورون مستقبل استيطان المريخ ؟

◆يعلم الكثيرون أن الفضاء سيصبح المصدر الرئيس للطاقة والغذاء وإنتاج العقاقير الطبية النادرة لسكان الأرض، وقد كشفت دراسة علمية حديثة أن العلماء تمكنوا باستخدام الوسائل العلمية والتكنولوجية الفضائية خلال 40 سنة تقريباً من دراسة جسم الإنسان ووظائف العظام والعضلات والأوردة والشرايين الدموية والتغيرات الهرمونية والدهنية، كما درسوا تأثيرات الإشعاع الكوني على الحشرات والعناكب والضفادع والقردة وبعض الحشرات، وبعض الحيوانات المائية، وتم إنتاج عقاقير طبية مناسبة لمعالجة بعض الأمراض، وسبق أن أعددت دراسة بعنوان «أهمية علوم وتكنولوجيا الفضاء على البشرية ـ تطبيقات طب وبيولوجيا الفضاء» ذكرت فيها أنه خلال المدة بين 1995 و1999 تحققت نتائج باهرة في المركبة الفضائية الروسية «مير» التي انتهت مهمتها سابقاً لحل العديد من المشكلات العلمية والفنية، والإجابة على كثير من الأسئلة المطروحة عن عمل الإنسان والحيوان والنباتات في الفضاء وكذلك أصل المجموعة الشمسية وتطورها وكيف يمكن بناء تكنولوجيا أفضل في الفضاء فضلا عن تطور مختبرات ومرافق المحطة الفضائية العالمية.

إن ما لمسناه من تطبيقات خلال الـ 60 سنة الماضية منذ بداية غزو الفضاء لا تمثل إلا النزر اليسير من التطبيقات المستقبلية، حيث يتوقع أن يصبح الفضاء خلال السنوات القليلة المقبلة، مصدراً رئيساً للطاقة والغذاء وبيئة خصبة للصناعات الدقيقة، وإنتاج العقاقير الطبية النادرة.

◆هل ستستفيد البشرية من البيئة الفضائية بصورة مباشرة في معالجة بعض المشكلات الحيوية كالمجاعة والطاقة وغيرها؟

◆بالطبع يمكن الاستفادة من الموارد التي توفرها البيئة الفضائية، في معالجة بعض المشاكل الرئيسة التي تعاني منها البشرية كالمجاعة ونقص الطاقة والتلوث والزيادة السكانية، وعلى عكس ما يوحيه اسم الفضاء فإنه مليء باحتياجات البشرية من موارد ومستلزمات، فالتقنيات الفضائية المتوافرة حاليا دخلت اغلب مجالات الإنسان اليومية وشملت تطبيقات الاتصالات والبث التلفزيوني المباشر ونقل المعلومات، الملاحة الجوية والبحرية والأرصاد الجوية والاستشعار عن بعد ودراسة موارد الأرض الطبيعية والتنبؤ بالأعاصير، التصنيع الدقيق، الزراعة في الفضاء، الطب في الفضاء بالإضافة إلى تطبيقات استراتيجية مهمة وضرورية جدا ولها ارتباط مباشر بحياة الإنسان اليومية، وأحب أؤكد أن العلاقة بين ارتياد الفضاء وبين العلوم الأساسية والتطبيقية كانت دائما علاقة مباشرة، ومتبادلة عززت التقدم العلمي والتكنولوجي على مختلف الصعد، وجعلت برامج ارتياد الفضاء أمراً حتمياً لزيادة مخزون المعرفة العلمية والتكنولوجية لدى الإنسان.

◆كيف ترون مشروع وكالة الفضاء الإماراتية في هذا الشأن ؟.

◆بناءً على ما ذكرت فمن المؤكد أن المشروع الإماراتي الفضائي سيكون مكملاً لمشاريع الفضاء العالمية المتقدمة لاستكشاف الكون ومحتواه، وزيادة إدراك الإنسان ورفاهيته على سطح الأرض وتنمية قدراته العلمية والثقافية والاقتصادية، إلى جانب إجراء الدراسات والبحوث العلمية والتطبيقية ونقل التكنولوجيا، إضافة إلى الجوانب المهمة الأخرى في إعداد وتطوير الكوادر البشرية المتخصصة في المجالات الفضائية في الإمارات بصورة خاصة والوطن العربي بصورة عامة، وبالتأكيد ستقوم الجامعات الإماراتية بتأسيس كليات وبرامج أكاديمية تهتم بالفضاء والفلك لتغذي هذا المشروع الفضائي الإماراتي بالعقول الشابة في هذا المجال.

الفضاء

الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، ومقره عمان، يضم نحو 500 شخص ينتمون إلى كل البلدان العربية من علماء الفلك والفضاء والهواة المهتمين بهذا المجال، والبعض منهم لديه إسهامات مميزة في هذا الجانب، ويشغل الأستاذ الدكتور حميد مجول النعيمي منصب رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، على مدى دوراته الأربع الماضية.

الاتحاد