علياء العامري
لا شك في أن الدولة الحديثة تقوم على أسس وأعمدة سياسية واقتصادية واجتماعية، يشد بعضها بعضا وتحتاج لما يدعمها ويقويها، لأن بسقوط أحدها يسقط باقي الأعمدة ولا يمكن للدولة بقاء. ومن المؤكد أن دولة الإمارات قد حققت خلال السنوات الأخيرة تقدماً هائلاً على كل المستويات الحضارية، حتى صارت من أولى الدول المتقدمة في المنطقة، التي تجمع بين أصالة التراث ومدنية الدولة الحديثة، وصارت دولة عالمية يضرب بها المثل في جودة الإدارة ورقي الأداء، والرفاهية القائمة على التنمية الاقتصادية ودعائم العلم والمعرفة.
ولا شك في أن الدولة القوية تحتاج إلى إعلام قوي، يعبر عن رؤيتها ويسهم في النهوض بشعبها تنموياً وفكرياً، ويعزز دور أجهزتها الحاكمة في معالجة سلبيات المجتمع وكشف الفاسدين، وكذلك إبراز الإيجابيات وتكريم المتفوقين والناجحين على كل المستويات، بل والدفاع عن سيادة الدولة من خارجها ضد من يريد النيل منها أو المزايدة عليها. فالإعلام له دور كبير في رقي الأمم، حيث توصف وسائل الإعلام دائماً بأنها السلطة الرابعة، كونها المرجع الأساسي في إيضاح الحقائق، وتسليط الضوء على مواطن الخلل ومكامن الخطأ، وهي مرآة تعكس للمجتمع أحواله وتصف له طريق العلاج. وكما يقال: اعطني إعلاماً قوياً أعطك أمة واعية قوية.
ولذلك فحكومتنا الرشيدة تسعى جاهدة للعمل على أن يصبح الإعلام الإماراتي إعلاماً عالمياً قوياً، قادراً على المنافسة والوصول إلى أعلى مراتب الجودة في المهنية والأداء، وتكفل له حرية الرأي والتعبير، وتؤكد ذلك التوجيهات التي حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، على إصدارها قبل أكثر من سبع سنوات، وما زال صداها قائماً، بضرورة إعداد القانون الجديد للمطبوعات والنشر وفق هذه الرؤية الحكيمة، وعدم حبس الصحافي بسبب عمله.
ولقد صبت تلك التوجيهات في مصلحة الدولة، ورسخت مكانتها كإحدى الدول السباقة في مجال حرية الفكر والرأي والتعبير. ومع هذا التقدم الذي يشهده قطاع الإعلام في دولتنا، فإن هناك بعض المآخذ التي تستوجب منا أن نتبع أسلوب المكاشفة وعدم المجاملة في أمور تتطلب التطوير، وتحتاج إلى التنمية بصورة تتناسب مع نهوض دولتنا وتقدمها. فإعلامنا بالتأكيد في حاجة إلى وقفة تأمل، يرى فيها نفسه بمرآة نفسه، وأيضاً بمرايا الآخرين، تحت سقف الحرية والمصارحة والشفافية، وهنا يلح سؤال مهم: هل إعلامنا بما لديه من إمكانات هائلة قادر على المنافسة الدولية؟ أو بمعنى آخر، قادر على الردع والصد والصمود في الميادين الإعلامية العالمية؟
إننا كثيراً ما يثيرنا الغضب مما يبثه بعض وسائل الإعلام الأجنبية وحتى العربية، وإذا أردنا مجابهة هذا النوع من الإعلام يجب ألا نقف عند حدود الشجب والإدانة، أو نحوم حول الكلمات الخجولة التي تأتي على استحياء، وتتسبب في قصف الأقلام التي تريد أن تشهر كالسيوف البتارة للدفاع عن سمعة دولتنا وحرمة ترابها وسيادتها، ولكن يجب أن تكون لدينا من القنوات الإعلامية العالمية التي تتفوق على تفوقهم، ويعلو صوتها أصواتهم بما تقدمه من برامج واعية وجادة وجريئة، تقارع الحجة بالحجة، وتصحح للمشاهد العربي وغير العربي، الأخطاء التي تبثها تلك القنوات الإعلامية، فالإعلام أخيراً أصبح وحشاً كاسراً يسيطر على عقول الناس، ويحرك الشارع ويسقط حكومات.
وإن قيّد الإعلام النظيف في تأدية مهامه، أطلق الإعلام الأصفر لدس سمومه في المجتمعات، لأن الصوت الخجول لا يصل ولا يؤثر، والسهم المكسور لا يصيب الهدف، ولا يصيب إلا السهم الأقوى والسيف الأمضى. وأتعجب حين تسدد السهام نحو دولتنا خاصة والأمة العربية عامة، ونجد أن عقولنا إذا أرادت أن تنتفض وأقلامنا إذا انطلقت من غمدها في مقالات تفضح المتآمرين وتنتقد مواطن السلبيات والفساد، فإن المقالات تنشر مبتورة وتعرض على القارئ كالأثواب المرقعة، بعد حذف عبارات مهمة من المقال بحجة عدم المساءلة القانونية أو أن الأوضاع السياسية تحبذ ذلك.
وعندما نريد أن نطور في إعلامنا، نرى التطور لا شك ملحوظاً ورائعاً في مستوى التكنولوجيا والتقنيات الإعلامية على أحدث النظم الإعلامية، ولكن هل أحدثنا تطويراً في مستوى الأداء والإعداد والتخطيط للبرامج والمواد الإعلامية، واختيار الإعلاميين الأكفاء، والدعاية الكافية لإعلامنا حتى يصبح عالمياً ومسموعاً ومؤثراً كما نرجو ونتمنى؟
إن إعلام الإمارات إعلام قوي بآلياته وإمكانياته، ومن ثم يجب ألا يقف عند حدود المحلية، بل أن ينطلق نحو العالمية بخطى ثابتة، فهل هناك ما يحول دون ذلك؟ وما الذي ينقصنا نحن كتاب الإمارات حتى لا تترجم مقالاتنا وكتاباتنا إلى اللغات الأجنبية فيقرأها القاصي والداني، فيعرف تراث دولتنا ويتعرف على واقعها الراقي ونهضتها العريقة؟ بل وعلى مواقفها المشرفة ومساهمتها في نهضة البشرية وتقدمها! إننا دولة عظيمة، ويجب أن تكون آمالنا وتطلعاتنا وأداؤنا عظيمة على قدر وطننا الذي أكرمنا ونعيش في ظله وظل قيادته الرشيدة، في رغد من العيش وسكينة وأمن وأمان عزت على كثير من البشر.. وأتذكر هنا قصة الجمل والفأرة: عندما أعجبت الفأرة بالجمل فأخذته من خطامه وسحبته إلى جحرها، فسألها: ماذا تريدين؟
فقالت: إني أحبك وأريد أن تسكن معي في هذا البيت. فقال لها: إما أن تحب على قدرك، أو أن تبني بيتاً بقدر من تحب. وأعيد هنا تأكيد ما أذكره دائماً من أنني عندما أنتقد أداء جهة ما أو قطاع من القطاعات، إنما هدفي ليس التقليل من شأن هذا القطاع أو من يقومون عليه، بل هدفي كله هو الارتقاء بمستوى الأداء، الذي ينعكس بالإيجاب على رقي الإمارات ويسهم في دفع عجلة الازدهار فيها إلى الأمام.
– البيان