السعد المنهالي
تغلبني رغبة شديدة بالكتابة عن الحب، ورغماً عن أن للأمر تداعيات لا أول لها من آخر، قررت في لحظة مجنونة المضي إلى هذا العمق بلا سبب إلا البحث عن جنون أفتقده منذ زمن، في رغبة للقول إننا نكبر ونتعلم ونصبح أكثر وقارا وحكمة ولكن قلوبنا تظل على حالها، ترغب في الالتهاب والجنون.. إنه الجنون ياسيدي، أليس الجنون أيضا ضرباً من الحكمة!
ولكن هل يعرف أحد أيهما ضرب من الآخر! هل الجنون ضرب من الحكمة، أم أن الحكمة هي ضرب من الجنون! أم أنهما أمر واحد فيما يراهما الناس أمرين متناقضين تماما!. في رأيي أنها الحالة الوحيدة التي تتحول فيهما الحكمة والجنون إلى شيء واحد. غير أن البشر سينظرون له من زوايا مختلفة كل حسب موقعه، سيراه من هو غارق فيه أنه الحكمة العليا، بينما سينظر إليها الناس معتبرينه الجنون ذاته.
بعد آلاف السنوات على انتهاء العصر الحجري، مازال حديث المرأة عن الحب عاراً، فما بالك بالكتابة فيه! عار تصل ناره إلى قارئ له ومتحدث عنه في العلن. وتبدو الغرابة هنا رغم هذه الاختلافات والأحكام الجائرة عليه في كثرة وسهولة الحديث عنه في الخفاء بذات السهولة التي تشبه الحديث عن وصفة طبخ تتداولها سيدتان بكل ثقة في جلسة عامة! ولأن الحديث عن الحب في العلن يعد محرما، بينما نمت وازدهرت الطرق الخفية للحديث عنه، شوه الحب فالتفت حوله علاقات سرية مسورة بالغموض، فتحول من موضوع سهل موجب إلى موضوع معقد يمتلئ بالألغام والمناطق المحرمة والطرق الممنوعة.
الكتابة في الحب تشبه الغرق في لعنة قديمة تصيب الكاتب وكل أهله وقبيلته.
الكتابة عن الحب تجلب إلى طريقك كل العيون المتجسسة والفضوليين وتثير شهية الفارغين الباحثين عما يملأ سأمهم في الجديد.
الكتابة عن الحب تجعل بعضهم يبتسم لك من بعيد بنظرة غريبة سمجة وكأنه يقول لك تقصديني أنا.. أليس كذلك!
الكتابة عن الحب تلزم الكاتب بعدها، كما بعض أدوية الأنفلونزا، المكوث في البيت وتجنب الناس لفترة، ولكن ليس لكي تشفى وانما لتشفى ذاكرة الناس مما كتبت.
الكتابة عن الحب ترضي عجز البعض، فيستقوى عليك، ليقول: هل هذا وقته ونحن في كل هذه الظروف؟
الكتابة عن الحب كالملاك الحارس من حافة الجنون، تكتب عنه وتحلله وتفهمه وتنزع فتيل الشر منه، وتجعله ينساب إلي روحك بلطف الملائكة.
الكتابة عن الحب داء ودواء، يعرفه كل المجانين.. والحكماء أيضا.
-الاتحاد