يحيى القيسي
الحبّ صنو الحياة والأمل، ونقيض الموت والقنوط، وربما في ظلّ أيامنا التي تقطر بالدماء هذه الأيام، وتفيض باليأس، وتتوشح بالسواد، يحتاج المرء إلى شعلة صغيرة تبدد العتمة، وتوقظ في نفسه شيئاً من الغبطة، والرغبة بالتشبث بكل ما هو جميل وبهيج .
أقول هذا وقد وقع بين يدي كتاب أنيق، أبيض ومتقشف في مظهره، وغني وارف المعاني في باطنه، قد جمع فيه الشاعر الإماراتي الرقيق محمد أحمد السويدي خلاصة تبحره في شعر العشق العربي، وسماه “لخولة 365 أنشودة حب” بحيث يبدأ القارىء صباحه كل يوم بمقاطع مختارة من قصيدة جديدة، يتعرف خلالها إلى شاعر عربي من الذين أضناهم الوجد، وحلق في أرواحهم العشق، سواء للمحبوب الإلهي العلوي أو للمرأة شقيقة الروح، فخولة هنا هي كناية عن المعشوق، ولكن القارىء يتذكر من عنوان الكتاب قصيدة طرفة بن العبد “لِخَولة أطْلالٌ بِبُرقَة ثَهمَدِ، تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ . وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ”
وسيجد القارىء أن هذه المختارات مقسمة على مدار العام وشهوره، والأبراج المألوفة فهناك قصائد شهر يناير ولها برج الجدي، وقصائد لشهر فبراير ولها برج الدلو، وهكذا لنخبة من شعراء العرب القدامى منذ امرئ القيس وصولاً إلى عصرنا هذا، ولكن السويدي يبدأ قصائد كل شهر أو برج بشعراء العشق من كبار المتصوفة، وخير المبتدأ بالمنتصر لدين الحب، الشيخ العارف محيي الدين بن عربي، وهناك ابن الفارض، ورابعة العدوية والسهروردي، والحلاج وغيرهم .
والقارىء لهذا الكتاب لن يجد فهرساً يستند إليه، وهذا أمر استغربته أول قراءتي له، ولكني أعتقد أن السويدي أرادنا أن نكتشف النصوص والشعراء يوماً بيوم، لا أن نمرّ على المحتويات والأسماء منذ البداية فنأخذ منها بشكل انتقائي لشعراء نعرفهم، وبالتالي يفسد المرء الهدف الذي وضعه المؤلف من الكتاب، أي أن يقرأ على مدار سنة كاملة، ويتشرب المرء النصوص بهدوء مع قهوة الصباح، فيبدأ بابن عربي، وينتهي بأبي الطيب المتنبي، وخلال هذا العام سيكتشف قصائد ربما يطلع عليها للمرة الأولى لشعراء آخرين منهم: بلبل الغرام الحاجري، والأخفش، عروة بن حزام، والأبله البغدادي، وناصح الدين الأرجاني، وأبوتمام، وجرير، والشريف الرضي، ويزيد بن الطثرية، وامرؤ القيس، وأبوفراس الحمداني، وابن باجه، وابن سهل الأندلسي، وعباس بن الأحنف، وبشار بن برد . . وغيرهم كثير .
لقد عرفنا الشاعر محمد أحمد السويدي في دواوين أشعاره، وفي نصوص رحلاته وتأملاته، وأيضاً في جانبه الإداري الثقافي، ومشاريعه في أدب الرحلات، وجمع الشعر العربي في موقع إلكتروني ضخم هو “الوراق” وأيضاً في مشروع “المتنبي” وهي جهود ضخمة عجزت عن فعلها الكثير من المؤسسات الثقافية العربية والوزارات المتخصصة، وتحسب له، ولكن كتابه “لخولة” يعكس أيضاً جانبه الثقافي الواسع، وانتقاءه الأثير من بطون دواوين الشعر العربي قديمه وحديثه، وبالتالي فهو يقدم لنا وجبة معرفية تفيض بالعذوبة، وتعلي من شأن الحب في زمن الحرب، فالشعر لايزال له في القلب حلاوة، ولعذوبته في النفس طلاوة رغم كل الخذلان، وتبدلات الزمان .
– صحيفة الخليج