شيخة المسكري
قرأت مقالاً في صحيفة إلكترونية أجنبية عن آخر التطبيقات، وشد انتباهي تطبيق باسم YouNow، وهو برنامج يسمح للمستخدم بإنشاء قناة تلفزيونية خاصة به عن طريق جهازه، تقوم ببث مباشر من أي موقع يشاء، وتسمح له باستقبال التعليقات مباشرة بلا رقابة أو قيود، ما يسمح لصاحب القناة أيضاً بالرد عليها بالصوت والصورة في ذات اللحظة.. فكرة رائعة!
وبطبيعة الحال مع أي تطبيق جديد، قمت بإنشاء حساب جديد وبالتجول في مختلف القنوات، باحثة عن قناة ثقافية أو اجتماعية أو أي شيء آخر يثير اهتمامي، ولكن طغيان الأجانب عليه من دون صيغة معينة أو هدف معين، كان كفيلاً بأن ينفرني.
تركت التطبيق لمدة شهر لا أكثر، ورأيت سيلاً من المستخدمين العرب على الإنستغرام يسوقون لحساباتهم على برنامج YouNow، فعدت لزيارة البرنامج مرة أخرى على أمل أن أجده مختلفاً.. ووجدته مختلفاً فعلاً! وجدته مزدحماً ومفعماً بالحياة وبكثير من الوسوم العربية، فقمت أتجول في تلك الوسوم واخترت أولها #العربية.
وكان أكثر القنوات مشاهدة لشاب في الصف الحادي العشر كما كتب، يتوسط أصدقاءه، ومما يبدو من التعليقات أن معظم المتابعين من مدرسته، ومن توقيت الساعة على أعلى الفيديو فقد قضى ما يقارب ثلاث ساعات أمام شاشة هاتفه، وهو يضحك ويتسامر ويلبي طلبات المستمعين مثل «غني لي»، «قولي نكتة»، «قلد الأستاذ»، وغيرها من الطلبات..
والقناة التي تليها في عدد المشاهدين كانت لشابة بوجه طفولي، سألها أحد المتابعين عن عمرها فردت عليه: أربع عشرة سنة؛ صعقت طبعاً! لم أتوقعها طفلة في عمر الزهور! ولكنها كانت تتصرف كأنها امرأة بالغة بوجه طفلة، كانت دمية متحركة.. فمثلاً، عندما كان يطلب منها أحدهم أن تغني، كانت تقول بدلع: حاضر.. وتغني.
وإذا طلب آخر أن ترقص، قامت وهزت خصرها! والمصيبة الأكبر أن أحدهم طلب منها أن تكلمه، فطلبت منه عمره فقال: 23، فردت: جميل جداً! فطلبت اسم مستخدمه على برنامج آخر ليتسنى لها التواصل معه! كل هذا في قعر دارها في منزلها! كلما نطقت أو تحركت، كنت أغضب وأقول في نفسي: أين أهلها؟!
مع التطور الهائل الذي شهدناه في العقد المنصرم نتيجة تطور التقنيات، ومع توفر عشرات القنوات للتواصل الاجتماعي، لا نستطيع أن ننكر إيجابيات هذه التقنيات، لكن رغم الفوائد الجمة التي حصدناها منها، فإننا حصدنا أيضاً كثيراً من السلبيات، وربما بعضنا لا يشعر بها لأننا على منأى منها، ولكن هذه التهديدات لا بد أنها قريبة منا بطريقة أو بأخرى ولا يمكن الاستهانة بها.
يسيء البعض استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وهم غافلون، ولا يدركون حجم المصيبة التي يقحمون أنفسهم فيها إلا بعد فوات الأوان، أي حين يقع الفأس على الرأس، فعندما تتم عمليات الابتزاز مثلاً من خلال صور أو معلومات شخصية أو فيديوهات أو غيرها من مقتنيات شخصية، قد تشعر صاحبها بالتهديد.
يلجأ الشباب والناشئة لسد أوقات فراغهم من خلال هذه التطبيقات والبرامج هرباً من الواقع، ليعيشوا عالماً أجمل من الذي هم فيه، وليشعروا بأنهم مرغوبون ومهمون، وهذا تماماً ما يحصلون عليه من ثلة من الغرباء.. مشاعر زائفة تسد تلك الفجوة التي يخلفها الإهمال وغياب الوعي والإدراك.
ومما يثير حفيظتي فعلاً، ردود أفعال بعض أولياء الأمور حين يتصرفون باستياء إزاء التقنيات الحديثة، فلا يعيرونها أي اهتمام، وحين تحدثهم عنها يقولون إن «حدهم» الواتس آب! طيب، ولكن أولادكم متواجدون على تطبيقات أخرى مثل «فيسبوك» و«الإنستغرام» وغيرها..
والرد: ماذا تتوقعين مني أن أفعل؟ أن أراقبهم؟ أليس في هذا تعدٍّ على خصوصياتهم؟ أي تعدٍّ على خصوصيات المراهق الذي لم يتمم الحادية عشرة من عمره؟ هي مسألة إهمال وكسل!
عملت المؤسسات ذات الشأن في الدولة على وضع مشروع لقانون متقدم لحماية حقوق الطفل، وفي مقدمتها وزارة الشؤون الاجتماعية والمجلس الوطني الاتحادي الذي درس القانون وقدم مقترحاته حوله.
القانون سيحمي الطفل ضد أي اعتداءات قد يتعرض لها، وفي الوقت نفسه وضع التشريعات اللازمة التي من شأنها حماية الأطفال ومنحهم الرعاية التي يستحقونها، لكي لا يتعرضوا لأي انتهاكات وعنف في المنزل.
القانون يعرف الطفل بأنه شخص لم يتم سن الثامنة عشرة، وأولياء الأمور مسؤولون عن أطفالهم وعن تصرفاتهم وعن كل ما يخصهم حتى ذلك السن.
بمعنى أنه إذا تعرض الأطفال لأي نوع من الانتهاكات أو الأذى بفعل أي من التقنيات التي وفرها لهم أولياء أمورهم، وشجعتهم على الانحراف في السلوك ومخالفة الأنظمة العامة، فإن ولي الأمر هو المحاسب الأول والأخير على ذلك، والعقوبة بالغرامة أو بالسجن إذا ما تم تطبيق القانون.
لا أعلم ظروف أولياء أمور الأطفال أصحاب تلك القنوات التي شاهدتها، ولكني أعلم أنكم كأولياء أمور ستفعلون ما هو في مصلحة أطفالكم، وهو بداية أن تحيطوهم بالحب والاهتمام، وتشعروهم بالأهمية، وتراقبوهم من دون أن تشعروهم بذلك، وتقوموا بمشاركتهم في مختلف الفعاليات والنشاطات، ونصيحتهم حول الطرق المثلى لاستخدام مواقع التواصل.
لا تكونوا على غفلة عن أطفالكم وتتركوهم عرضة لوسائل التواصل الاجتماعي! نسمع القصص المخيفة ونقول إن هذا لن يحدث، ظناً أننا في مأمن! أستغرب أن البعض يحتفظ بأغلى مجوهراته وأثمن مقتنياته في خزائن مغلقة، ولكنه يعامل أطفاله برخص، ويتركهم عرضة للذئاب البشرية! عاملوهم بما يستحقون، فهم أمانة في رقابكم.
– البيان