علي أبو الريش

الحلم عند تورق أشجاره، وتخضر ربوعه، ويبيض ليله، ويشع نهاره، يكون سجادة مفروشة بأثر الأوفياء، وخبر النجباء، وسر النبلاء، الحلم عندما يكون وطناً يزرع ترابه، بابتسامة الوجوه، التي تمر عند نواصي القلب، فيشرق ويحدق في الكون نشواناً ورياناً.
هذه هي الإمارات التي أصبحت اليوم مرتعاً لغزلان الجهات الأربع، ومهبطاً لطيور الكون، فترى الحشود البشرية من كل حدب وصوب، ترتاد أرض الطيبات والحسنات، والصالحات تشعر بالغبطة وأنت تلم شتاتك بين الجموع المبتهلة إلى الله، بأن يحفظ الإمارات ويديم عليها نعمه، ويجعلها بلداً آمناً مستقراً مطمئناً، مزدهراً زاهراً، باهراً، ساهراً على رعاية الحق، وحفظ الحقيقة .. الإمارات التي صارت قبلة يؤمها طالبو الرزق الكريم، والموئل الحليم، والقلب الرحيم، والسجايا النقية، تصير عبر عقود من الزمن قارباً على متنه يستقر بشر من كل عرق ودين، يعملون معاً وينسجون قماشة أحلامهم معاً ويحيكون ثوب طمأنينتهم معاً، والكتف بالكتف، يعلوان باتجاه الرفعة والعيش الآمن، لا يخضهم خضيض قلق، ولا يرضهم رضيض أرق، ولا يحدق بهم خوف على وظيفة أو رعب من صباح رمادي.
الإمارات سياسة وثقافة، في قارب الوعي، تسير بثقة وثبات، وتضم في كنفها نفوساً تلهفت وتلظت حتى وصلت إلى مرسى الحب على أرض اليانعات اليافعات من إبل العطاء وجياد النخوة المثالية. وكلما تفتحت وردة على وجه عابر سبيل، يحضر زايد الخير «طيب الله ثراه»، ومعه تحضر السجايا والنوايا، المتعافية بالصدق والإخلاص.
يحضر خليفة الانتماء والصفاء يحضر الوطن كله، وشعبه المضياف، يحضر التاريخ مورقاً بأعشاب الفخر والعزة، بوطن تطور نسلاً كريماً عظيماً، يمد أشرعة السفر إلى حيث تكمن الحقيقة، وتسترخي المعاني الرفيعة عند شطآن البياض.
هذه الإمارات، شوارعها مزدانة بسندس الأحلام المترعرعة في أذهان الحالمين، بغد يشرق بالفرح، وخيوط شمسه، أصابع حسناء تستدل على مرابض القصيدة الرائعة، ونبع الحكاية، حكاية الإنسان الذي بنى وتبنى، مصير الإنسانية بقلب يفترش ملاءته البيضاء، ليدفئ قلوباً ويدثر أرواحاً، ويحمي أجساداً من خربشة الغبار الزمني. هذه الإمارات، وعي بالكون، وعي بالإنسان، وعي بفضيلة الوجدان، وعي بأن الحياة لا تستقيم إلا بالحب، ولا تقوم أعمدتها إلا بسكب الحب في فناجين الآخر، ليصبح الكل واحداً، والواحد كلاً، والوطن وعاء واسع، شاسع ساطع بلمع القلوب الصافية، المترعة بمشاعر مثل أزهار الحقل، مثل الشعاع في المقل .. هذه هي الإمارات، تنثال حلماً، لا يطوي سجله ولا يأفل أمله، ولا تغمض مقله، ولا تجف قُبله ولا تعجف سنابله، فالناس جميعاً على هذه الأرض سنبلات خضر تند برضاب العشق، وتستمد الهوى، من فرائد المعطيات السابحات على الأرض سبحاً، القادحات من معين التجلد قدحاً، الطارحات نظرية الوجود الحق طرحاً، الكابحات غبن السنين الماضيات كبحاً .. هذه الإمارات .. تضاريس بشرية مفعمة بالتكامل.
– الاتحاد