فضيلة المعيني
ليس بعيداً عن قضية «الانضمام لجبهتي النصرة وأحرار الشام» الإرهابيتين التي تنظرها محكمة أمن الدولة هذه الأيام، والمتهم فيها 15 شاباً، منهم 9 إماراتيين وأربعة تربطهم علاقات قربى ونسب يحملون جوازات سفر جمهورية جزر القمر واثنان سوريان، ومن واقع جديد يفرز تساؤلات عدة عما يجري في مجتمعنا في الخفاء، نتوقف عند شباب تتراوح أعمارهم بين 24 و35 عاماً.
كما بدا، فإن هؤلاء الشباب كانوا يعيشون حياة طبيعية، إذ تشير السيرة الذاتية لكل منهم إلى أنهم كانوا موظفين لدى جهات ودوائر حكومية، ثم انخرطوا في غفلة من الجميع في العمل لصالح تنظيمات إرهابية باسم الجهاد، وانضموا إليها، بل وسافروا إلى سوريا عبر تركيا للقتال، وهناك صدموا بواقع مرير على طريق اللا عودة.
هنا نتساءل ما الذي يجعل شباباً ينتمون لشعب مسالم محبٍ للحياة، بل يعشقها، أن ينزلقوا إلى هذا المنزلق، ويسلموا حياتهم رهينة جماعات إرهابية لا تعرف الرحمة، ترتكب أبشع الجرائم باسم الإسلام. وما الذي يجعلهم يقعون بسهولة فريسة المتربصين، ونحن لا ندرك أن لا مبدأ لهم، يمكن أن نتفهم ثباتهم عليه ونبرر تمسكهم به.
أين كان المجتمع بأفراده ومؤسساته من أشخاص يعبثون بعقول الشباب، ويحملونهم على الانضمام لجماعات إرهابية خارج الدولة، ويصبحون ألعوبة بأيديهم يحركونهم عن بعد كيفما يشاؤون، ويخرجونهم من الدولة، ويدخلونهم في متاهات لا تراجع عنها، فبمجرد دخولهم الأراضي السورية، تتلف جوازات سفرهم، وتكون تلك الأراضي مقبرتهم.
بل أين هي الأسر من فهم خاطئ لمعنى الجهاد سيطر على أبنائها، وجرفهم تيار فاسد يقوده ويروج له إرهابيون اتخذوا من الدم والقتل سبيلاً لتحقيق مآربهم، وما هؤلاء الشباب سوى أداة وحطب لإشعال محارق ينصبونها هنا وهناك.
نتساءل مرة أخرى هل قصّر الإعلام أو أخطأ في مواجهة فكر مسموم تبثه جماعات الشر بين الشباب، وقد أصبح همّ الفضائيات التنافس على برامج المنوعات المعلبة، وبث سموم من نوع آخر أبعدت الشباب عنها، ولم يعد ما تقدمه يشبع رغباتهم، فهم في واد وشاشات التلفزة في وادٍ آخر.
حريٌّ بالإعلام أن يقترب أكثر من الشباب، ويتصدى لما يواجهونه، ليمنع وقوع المحظور، فالقضية ليست قضية أمن دولة فحسب، منوطة بالكامل إلى الجهات الأمنية، بل هي قضية جيلٍ واقعٍ بين فكي وحش يفترسه دون رحمة، ويستغله لتحقيق مآرب باسم الإسلام والجهاد
– البيان