دعا الشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة العلماء والأدباء والمبدعين ووسائل الإعلام ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي إلى تحمل مسؤولية الكلمة وتقدير آثارها على التعايش والوئام، وإلى الانخراط في تعزيز ثقافة السلم في المجتمعات المسلمة.

وأكد الشيخ ابن بيه في بيان له أمس، بشأن الأحداث الجارية في المنطقة، أهمية ترسيخ مقصدية السلم وأولويته في المجتمعات من خلال القيم الإنسانية والإسلامية، ليرجح التعايش والانسجام ويصحح انحراف المفاهيم، ويروج للمحبة والوئام وكبح جماح التكفير والتشهير، وتسود ثقافة العقل والفقه حتى يعيش المسلم بدينه في دنياه دون شعور بالاغتراب ولا تعرض للقلق والحرج والاضطراب.

وشدد على أن اضطهاد الأقليات الدينية وأشكال العدوان كافة عليها مخالف لقيم ديننا الذي أوصى بالأقليات الدينية خيراً، وجعلهم في ذمة المسلمين، وتوعد من يظلمهم بسوء العاقبة، ووفاء بتجربة الأمة التي لا نظير لها تاريخياً في التعايش والتسامح مع الأقليات، فضلاً عما تقتضيه أخوة الإنسانية والمواطنة من مساواة في الحقوق والواجبات، مؤكداً أن أي اعتداء من أي نوع أو إكراه على تغيير الدين غير مقبول والإسلام منه براء.

وأوضح أن قيم الصراع والنزاع في غير حالة الدفاع عن النفس ورد العدوان ليست قيماً إسلامية ولو حاول البعض أن يكسوها لباس التقوى، مؤكداً أنها قيم دخيلة على ثقافتنا الإسلامية، فما كان التدمير أبداً في ثقافتنا الأصيلة أساساً للتعمير، بل نتيجة للجهل والتعصب وأثراً للاحتقان ومشاعر الإحباط أو الانتقام، أما قيمنا فتقوم على بناء الثقة في النفوس والمحبة في القلوب ومدافعة الباطل بالحق دون عدوان، ومقابلة الإساءة بالصبر والصفح والغفران.
ودعا إلى المراجعات الفكرية على مستوى المناهج والبرامج لتدقيق النظر في الواقع، ومواكبة ضروراته وإكراهاته وأفكاره وأدواته، وتعميق الدراسات الشرعية علماً وفهماً وتدبراً وتفكراً وتأويلاً وتعليلاً وتنزيلاً لمراجعة النصوص في منطوقاتها ومفهوماتها، ورد جزئياتها إلى كلياتها وإعادة الاعتبار للاختلاف المعتبر في المذاهب.

وحذر شباب الأمة من أن يكونوا وقوداً لنيران الفتنة والفساد في الأرض في الدنيا ونار جهنم يوم الحساب، وحثهم على أن يتثبتوا مما يلقى إليهم من دعاوى ووعود، ويتشبثوا بالمحكمات من دين الله وشرعه حتى لا يفتتنوا بالمتشابهات ويلتبس عليهم الحق بالباطل، خاصة منهم من لا يحسن العربية ولا يفهم لغة القرآن، مؤكداً أنه لا عذر للعلماء والحكماء في عدم القيام بواجب البيان والنصح للأمة لإطفاء نار الفتن وحقن الدماء متضامنين مع الحق متعاونين على البر والتقوى.

وقال البيان: أيها الشباب الذين حملتم السلاح على أمتكم فأرهقتم البلاد والعباد واستعديتم الأمم وأهدرتم القيم ندعوكم لوقفة تفكر وإصغاء إلى نصيحة من يريد للأمة الخير، ونقدم كلمات أولاهن من كتاب الله تعالى «وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد» البقرة 205، هل هلك الحرث والنسل والشيوخ والنساء، أليس ذلك فساداً في الأرض لا يحبه الله تعالى، والثانية من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويلكم أو ويحكم انظروا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» من آخر خطبه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع.

والثالثة كلمة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا.

«آخر خطبة له» صحيح البخاري، والرابعة كلمة لإمام السنة أحمد بن حنبل، رحمه الله تعالى، لأهل بغداد: «لا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم وانظروا في عاقبة أمركم».

لما أرادوا الثورة على الخليفة العباسي الواثق عندما قال بخلق القرآن أليس هذا من سفك الدماء الذي حذر منه الإمام أحمد أهل بغداد، ونرجوكم من موقع الشفقة أن تتأملوا في هذه الكلمات المضيئة، وأن تراجعوا أنفسكم فالرجوع إلى الحق خير من التمادي على الباطل.

وقال البيان: إننا لا نتجاهل المظالم، وندعو بإلحاح لإزالتها، إلا أننا نعتقد أن فرص العدالة مع السلم أفضل من فرضها بالحرب يجب أن تتوقف الحروب الشعواء، وتنكشف الفتنة العمياء في كل مكان لنربح الحياة ولا نخسر الدنيا والآخرة.

ولقد كان من دواعي انعقاد المنتدى الأول لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة بأبوظبي هذه السنة جمادى الأولى1435 هـ – مارس 2014م بمشاركة ما يزيد على 250 عالماً ومفكراً إسلامياً من مختلف أنحاء العالم الاجتماع على موقف موحد من أوضاع في غاية الخطورة تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الفترة العصيبة من حياتها.

وأضاف البيان: تتمثل هذه الخطورة في أبعاد، أولاً: البعد النوعي المتمثل في درجة العنف غير المسبوق الذي لم يستثن أي نوع من الأسلحة، بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل الذي يستعمله أبناء الوطن الواحد بعضهم ضد بعض، ثانياً: البعد المكاني المتمثل في الاتساع والانتشار الجغرافي الذي شمل رقعة واسعة من البلاد العربية والإسلامية والمرشح لشمول مناطق أخرى، ثالثاً: البعد الزمني، حيث إن هذه النزاعات أصبحت في استمرارها وديمومتها وكأنها أمر معتاد لا تلوح له نهاية في الأفق، رابعاً: البعد الفكري والنفسي، وهو بعد يغذي الأبعاد الثلاثة السالفة، حيث أفرزت هذه الفتنة أشد الأفكار تطرفاً وأكثر الفتاوى شذوذاً وأشد الآراء تعصباً وتحريضاً، فاشتعلت الساحة بكم هائل من فتاوى التكفير والتضليل والتفسيق والتبديع واستبيحت الدماء، ولم يعد للشرعية في الطاعة واحترام الدماء وتجنب شق عصا الأوطان مكان، واستبدلت بدعوى الجهاد في غير محله والنهي عن منكر بغير ضوابطه مما يؤدي إلى ما هو أنكر، وخامساً: البعد الدولي: كل ما سبق شوه صورة الإسلام عالمياً، وكاد أن يوصف بأنه «دين إرهاب»، وأنه ربما يحاكم الإسلام، وأهله تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وقد كان من توصيات هذا المنتدى التشديد على الضرورة الملحة والعاجلة لإعادة ترتيب البيت الإسلامي وإصلاح مكوناته أفرادا وجماعات ومؤسسات وتأكيد الحاجة الماسة إلى تقوية المناعة الذاتية للأمة ضد التطرف، والعنف الناشئ داخلها كيفما كان اتجاهه ومصدره.

الاتحاد