«أراد القدر ألا يمهله فرصة أخرى في الحياة، وأن ينتهي أجله عند هذا الحد، ويخطفه الموت في أوج نجوميته، لكن دائماً لا كبير على الموت.. ليرحل عن عالمنا حافراً في ذاكرتنا ضحكته البراقة ووجهه الذي تفيض ملامحه بالطيبة وحب الحياة إلى عالم آخر أفضل يقابل فيه ربه، بعدما صنع مشواراً فنياً جديراً بالاحترام والتقدير برغم سنواته القصيرة».. إنه الفنان القدير قنصل السينما المصرية خالد صالح الذي رحل فجر أمس عن عمر يناهز 49 عاماً، بعدما أجرى عملية قلب مفتوح بمركز مجدي يعقوب في أسوان، لتظل أعماله تخلّد ذكراه في قلوبنا جميعاً، والذي استطاع في فترة قصيرة أن يتربع على عرش النجومية بلا منازع، واعتبره النقاد امتداداً لجيل العمالقة من الممثلين في أداء الأدوار المركبة مثل زكي رستم، ومحمود المليجي، بسبب قدرته العالية على التجسيد والتقمص، فقد كان أكثر الفنانين شعبية وجماهيرية، ليس في مصر فقط، بل في الوطن العربي.

مشواره الفني

ولد النجم الراحل في القاهرة عام 1964، ليبدأ شغفه بالتمثيل في سن صغيرة جداً، إذ بدأ التمثيل من خلال مسرح الجامعة، في مسارح الهواة مثل مسرح الهناجر في دار الأوبرا المصرية، وحقق من خلالها نجاحات كبيرة، لتكتشفه بعدها المخرجة إنعام محمد علي أثناء مشاهدتها عرض إحدى مسرحياته في الهناجر، وتعرض عليه دوراً في مسلسل «أم كلثوم».

لينطلق صالح بعدها إلى عالم التمثيل الذي تفرغ تماماً له عام 2000، وهو في سن السادسة والثلاثين، والذي شهد تحولاً كبيراً في حياته، ليسطع نجمه سريعاً في سماء الفن، ويبرع في أداء جميع الأدوار بمختلف ألوانها ما بين الخير والشر وأيضاً الأدوار المعقدة التي قدمها ببراعة، جعلت من أدائه أرضاً خصبة للنقاد الذين دوماً أشادوا ببراعته التمثيلية، وتميز أداؤه المستوحى من عمالقة زمن الفن الجميل، ليحمل بجدارة لقب «فنان من العيار الثقيل».

قدم صالح جملة من الأفلام السينمائية الناجحة، لعل أهمها «تيتو، عمارة يعقوبيان، حرب أطاليا، ابن القنصل، الريس عمر حرب، أحلام حقيقية، عن العشق والهوى، ثمن دستة أشرار، ملاكي إسكندرية، المصلحة، أحلى الأوقات، فبراير الأسود، الحرامي والعبيط»، كما قدم عدداً من الأفلام مع المخرج خالد يوسف التي تميز فيها بأداء أدوار مركبة، كما هو معروف عن مدرسة يوسف، منها «هي فوضى، كف القمر، حين ميسرة»، وكان آخر أعماله فيلم «الجزيرة2»، مع النجم أحمد السقا وهند صبري، الذي كان مقرراً عرضه في موسم عيد الأضحى.

وعن أعماله التلفزيونية، قدم صالح عدداً من الأعمال، منها: حكايات زوج معاصر، شباب أون لاين، ست كوم، محمود المصري، سلطان الغرام، بعد الفراق، تاجر السعادة، موعد مع الوحوش، الريان، فرعون، 9 جامعة الدول، وكان آخر أعماله مسلسل «حلاوة الروح» الذي عرض في شهر رمضان الماضي.

رحلة مرضه

كان صالح تعرض لآلام حادة في منطقة الصدر أثناء تصوير مسلسله الأخير «حلاوة الروح»، وعلى الفور انتقل إلى مركز مجدي يعقوب للقلب بأسوان، لإجراء عدة فحوص طبية، للوقوف على حالته الصحية، ومعرفة سبب الآلام التي يشعر بها، ليؤكد له يعقوب ضرورة إخضاعه لجراحة قلب مفتوح عاجلة، إلا أنه قرر تأجيل العملية بعد انتهاء التصوير واستمتاعه بإجازة قصيرة برفقة أسرته، قبل أن ينتقل إلى المركز لإجراء الجراحة، إذ أجرى العملية يوم السبت الماضي، واستقرت حالته الصحية بعد ساعات قليلة من العملية، لكن سرعان ما تدهورت أمس، لتصعد روحه إلى بارئها فجر اليوم، ليثير خبر وفاته صدمة كل محبيه ومتابعيه.

دفتر عزاء

أثرت وفاة الراحل في كل المصريين والعالم العربي، وفور إعلان خبر وفاته تحولت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحات عزاء، حيث نعى الفنان عادل إمام الفنان خالد صالح من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، قائلاً «وداعاً خالد صالح.. إنا لله وإنا إليه راجعون»، ووضع صورة الراحل مع هذه الكلمات.

أما الملحن أيمن بهجت قمر، فكتب على صفحته الشخصية بالفيسبوك «لا حول ولا قوة إلا بالله.. وداعاً خالد صالح.. الفاتحة»، بينما تعجب أحمد جمال، نجم عرب أيدول، من وفاة النجم المفاجئة، قائلاً: «إنا لله وإن إليه راجعون.. من ساعة كنا بندعيلك ترجع بالسلامة، لكن قضاء ربنا حصل.. ربنا يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته ويصبر أسرته». في حين وجّه المطرب رامي جمال النعي إلى صديقه الراحل على صفحته بالفيسبوك، قائلاً «وداعاً صديقي خالد صالح رحمك الله».

وفي السياق، نشرت الفنانة هند صبري صورة على صفحتها بالفيسبوك تجمعها والفنان الراحل، لتعلّق فوقها بـ«يا خالد.. اللهم لا اعتراض.. مع السلامة يا حبيبي.. في أمان الله»، كذلك نعته الممثلة ياسمين عبدالعزيز التي شاركها الراحل في فيلم «ثمن دستة أشرار» عام 2006 بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، حيث كتبت «فقدت ممثلاً عبقرياً وإنساناً محترماً، الله يرحمه».

ويستكمل أهل الفن نعي الفنان الكبير ليكتب المطرب إيهاب توفيق على صفحته بالفيسبوك «البقاء لله، وفاة الفنان الجميل خالد صالح»، وكذلك الفنان محمد إمام ابن الفنان عادل إمام الذي نعاه، داعياً له بالرحمة والمغفرة، وبأسى عبّرت الفنانة وفاء عامر التي شاركت الفنان في فيلم «كف القمر» البطولة، حيث كتبت «ربنا يرحمك.. هتوحشني».

الفنان الإنسان

جانب آخر من شخصية الفنان الراحل خالد صالح، قد يعرفه المقربون منه، وهو أنه كان مشهوراً بالقيام بالأعمال الخيرية، فقد كان شديد الحرص في كل بلد يزوره على زيارة الجمعيات الخيرية ومراكز ذوي الاحتياجات الخاصة، ليقدم لهم أشكال الدعم كافة، وقد صرح كثيراً بأنه يجد راحة نفسية في هذه الأعمال التي يعتبرها واجباً عليه، كما قدم مبادرة إنسانية خلال شهر أكتوبر الماضي، بزيارة مركز راشد لعلاج ورعاية الأطفال في دبي، حيث استقبله هناك الأطفال وأعضاء الهيئة الإدارية والأكاديمية بالمركز.

ويرجع فضل اهتمامه بهذه الأعمال الخيرية إلى والده الذي ربّاه هو وإخوته تربية دينية إنسانية، فأراد أن يخلدها عرفاناً بفضله.

-البيان
القاهرة – ريهام عاطف وآية إيهاب