صوت التونسيون بكثافة امس في انتخابات تشريعية، حاسمة هي الأولى منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في 2011 والأولى وفق دستور الجمهورية الثانية المصادق عليه بداية 2014، حيث أعلن عضو بهيئة الانتخابات أن نسبة الإقبال تجاوزت 60 بالمئة، متوقعا أن تصل نسبة الإقبال إلى 70 بالمئة. وكانت نسبة الاقتراع في المكاتب الخارجية بلغت في حدود 20 بالمئة بحسب ما أعلنت هيئة الانتخابات. وحتى الآن تعد النسبة إجمالا أعلى مما تم تسجيله في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011.
وأدلى الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي بصوته في مركز اقتراع بمنتجع القنطاوي السياحي في مدينة سوسة، لكن بمجرد وصوله أطلق ناخبون صيحات «ارحل» بوجهه. واحتج ناخبون ضد تجاوز المرزوقي لطابور المنتظرين ودخوله مباشرة إلى مكتب الاقتراع. ورد الرئيس المؤقت على المحتجين «أنا عائد إليكم»، في إشارة الى استمراره في المنصب بعد الانتخابات الرئاسية المرشح إليها.
وقال راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة لفرانس برس خلال وقوفه في طابور للناخبين أمام مركز اقتراع جنوب العاصمة تونس «التونسيون يصنعون اليوم لأنفسهم تاريخا جديدا ويصنعون للعرب تاريخا جديدا مع الديموقراطية، ويبرهنون أن الديمقراطية ممكنة في العالم العربي وان التونسيين الذين فجروا ثورة الربيع العربي متمسكون بالوصول بها الى غايتها في انتاج نظام ديمقراطي حديث».
من ناحيته قال الباجي قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس للصحفيين بعد قيامه بالتصويت في مركز اقتراع شمال العاصمة «في انتخابات 2011 صوّتت لتونس، واليوم أصوّت لتونس. تحْيَا تونس».
وصرح مهدي جمعة رئيس الحكومة للصحفيين أثناء قيامه بالتصويت في مكتب اقتراع شمال العاصمة تونس أن «في نجاح هذه العملية (الانتخابية) ضمان للمستقبل وكذلك ضمان لانفتاحنا على الخارج، وبصيص أمل نعطيه للشباب في المنطقة الذي أوضاعه في كثير من البلدان صعبة».
وأضاف جمعة أن أنطار العالم منصبة على تونس وأن نجاح الانتخابات مرتبط بالإقبال المكثف على التصويت بمراكز الاقتراع. وقال إن الإقبال الواسع على مراكز الاقتراع «دليل على حماس التونسيين لإنجاح تجربتهم وحرصهم على متابعتها ولو كانت هناك بعض التضحيات». وأضاف أن حكومته «ستسلم الأمانة الى أياد أمينة وان الشعب سوف يحسن الاختيار» لممثليه المقبلين.
وبدت أغلب شوارع العاصمة وباقي المدن خالية بينما شهدت مراكز الاقتراع منذ الفترة السابقة لفتح مكاتب الاقتراع ازدحاما بشكل غير متوقع. وفي مركز اقتراع بمدرسة شارع الحبيب بورقيبة المحاذي لمقر البرلمان في منطقة باردو بالعاصمة، تقاطر الناخبون من مختلف الأعمار على مدرسة شارع الحبيب بورقيبة لاختيار أحد مرشحيهم.
ويبلغ عدد الناخبين المسجلين في المدرسة أكثر من 3500 ناخب.
وأشار رئيس مكتب الاقتراع الى سلامة العملية الانتخابية. وقال ملاحظ بالمكتب يدعى محمد علي الاسطنبولي عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إن مكتب الاقتراع شهد نقصا في عدد الأعوان وأدى ذلك الى ازدحام في بعض الأوقات. وأضاف الاسطنبولي أن توزيع الأعوان لم يكن محكما، وحتى تعويض الأعوان حدث بشكل متأخر.
وشهدت أغلب المدن التونسية إقبالا واسعا من الناخبين منذ الصباح الباكر غير أن بعض المكاتب شهدت تأخرا في فتح الّأبواب تحديدا في مدينة القصرين حيث أرجع الجيش ذلك إلى أسباب أمنية.
وقال وحيد الزمالي (57 عاما) الذي كان يقف في بداية صف للناخبين في حي سكرة الراقي بالعاصمة «كنت أشعر بالضيق حينما أرى الدول الأخرى تصوت بحرية ونحن لا. الآن لدينا الفرصة والحرية لنفعل ذلك وأتمنى أن نحصل على الديمقراطية والحرية الكاملتين».
وفي مركز اقتراع في ضاحية بن عروس التي تسكنها غالبية من الطبقة العاملة وتقع في جنوب تونس العاصمة قال أحد الناخبين إنه لا يثق سوى في حزب النهضة. وقال محمد علي عياد الموظف في شركة لإنتاج السيارات «لا أثق مطلقا في الأحزاب الأخرى.ينتمون جميعا لعهد بن علي. النهضة كان يعمل دائما خلال السنوات الثلاث الماضية بعد الثورة». ومن بين الأحزاب العلمانية الأخرى التي تبحث عن مكان في البرلمان الجديد بعض الأحزاب التي يقودها مسؤولون سابقون في نظام بن علي يصورون أنفسهم على أنهم تكنوقراط لم يلوثهم الفساد وانتهاكات نظامه.
وترتدي هذه الانتخابات أهمية بالغة إذ سينبثق عنها برلمان وحكومة منحهما دستور تونس الجديد صلاحيات واسعة، مقابل صلاحيات محدودة لرئيس الجمهورية. وجرت عمليات التصويت في 11 ألف مكتب اقتراع حسبما اعلن في وقت سابق شفيق صرصار رئيس «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات». وتشكلت طوابير من الناخبين أمام مراكز الاقتراع منذ فتحها.
ويبلغ عدد الناخبين التونسيين المسجلين خمسة ملايين و285 ألفا و136 بينهم 359 ألفا و530 يقيمون في دول أجنبية، بحسب إحصائيات الهيئة المكلفة تنظيم الانتخابات. وتجري الانتخابات التشريعية وسط إجراءات أمنية مشددة تحسبا من أعمال «إرهابية» قد يشنها متطرفون مرتبطون بتنظيم القاعدة. ونشرت السلطات ثمانين ألفا من عناصر الأمن والجيش لتأمين الانتخابات.
ويبدأ فرز الأصوات «فور انتهاء عمليات التصويت» ويجري بشكل «علني» وبحضور «المراقبين» الأجانب والمحليين و«ممثلي القوائم المشاركة في الانتخابات التشريعية» وفق القانون نفسه. ويتعين أن تعلن هيئة الانتخابات النتائج النهائية خلال فترة 48 ساعة من اخر حكم صادر عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية بخصوص الطعون المتعلقة بالنتائج الأولية.
وبحسب استطلاعات للرأي أجريت في وقت سابق، فإن حزبي «نداء تونس» (وسط) و«حركة النهضة» هما الأوفر حظا للفوز في هذه الانتخابات. واستبعدت القوى السياسية الكبرى حصول حزب بمفرده على الأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة القادمة، لأن النظام الانتخابي النسبي المعتمد يسهل وصول الأحزاب الصغيرة.
الاتحاد