مريم الساعدي

وقَفت أمامي تقول بكل عزم: «هذه السنة ستكون مختلفة، سأسعى لأحقق كل أهدافي المؤجلة، سأتعلم لغة جديدة، سأخسر الوزن الزائد، سأغير أسلوب حياتي، سأبتعد عن الدهون والسكريات، سأمارس الرياضة، سأكون أكثر تسامحاً، سأكون أقل عصبية، سأنتهي من رسالة الدكتوراه…الخ الخ»، كانت قد وقفت العام الماضي نفس الوقفة أمامي، الشمس تنعكس على وجهها، وقالت الكلام نفسه. المشهد ذاته يتكرر، نفس ألق التصميم في عينيها، نفس نبرة الإرادة في صوتها، نفس الأهداف تكررها، الفرق في المشهد أن مكتبي كان على جهة الباب وصار على جهة النافذة.

ما الذي يجعل تلك الإرادة تتألق عند رأس السنة وتبدأ في الخفوت عند صدرها حتى تختفي تماماً ما إن يظهر ذيلها؟
نظل نؤجل الحياة لرأس سنة جديدة في كل سنة. نظن أن المشكلة في هذا العام السيئ، في الطاقة السلبية التي تجلبها أيام هذا العام، في الجو غير المشجع هذه السنة، ونظن أننا ما إن ينقضي هذا العام بأيامه البليدة حتى نرتدي شخصية جديدة وينبت لنا جناحان نطير بهما نحو آفاق الإنجاز والتحقق. وكأن استقبال السنة الجديدة بنفس التركيبة القديمة قد يغير من أمرنا شيئاً. ننسى، أو نتناسى أن السنين ما هي إلا أوقات، ثوان ودقائق وساعات وأيام وشهور تتراكم فتشكل في حسبة التاريخ عاماً. وأن هذه الحسبة لا تعنينا فهي ليست من مهامنا الوظيفية في هذه الحياة، هي سيرورة الزمن الطبيعية ولا سلطة لنا عليها، وأن سلطتنا الوحيدة هي في الثانية التي نعيشها، في اللحظة التي نقتنصها، في الأيام التي ننتبه لها.

إن الغفلة عن وجودنا الآني هو إهدار للأيام، نكون كمن يستيقظ من يومه ويسير مغمض العينين متعثراً بأيامه دون أن ينحني ليلتقطها فيعيشها. الحياة لا تبدأ مع السنة الجديدة، هي تبدأ كل يوم نستيقظ فيه. فلماذا نؤجل كل شيء في انتظار سحر طيّب يسقط علينا فيحولنا من يقطينة فارغة لسندريلا باهرة؟

كل شيء يبدأ من رأسك أنت، وما رأس السنة إلا احتفالية نفرح فيها بعروض الأضواء المبهرة لليلة عابرة. في رأسك كل السنين، بإمكانك أن تبدأ الحياة الآن، أو أن تنام منتظراً موجة عالية تحملك على جناح الوهم حتى رأس السنة الجديدة القادمة.

الاتحاد