خالد الظنحاني
تقول الأسطورة الإماراتية: إن أحد رجال قبيلة بني ياس كان يلاحق ظبياً في الجزيرة، أي «جزيرة أبوظبي» حالياً، إلى أن وجده يشرب من عين ماء عذبة لم تكن مكتشفة من قبل، مما حدا بحاكم المنطقة بناء برج مراقبة لحماية مصدر المياه، ثم في العام 1760م تكوَّنت حوله مستوطنة بشرية.
ومن هنا أطلق اسم «أبوظبي» على الجزيرة وهو يعني: أب أو أرض الظبي. وفي نحو سنة 1793، أمر الشيخ شخبوط بن ذياب آل نهيان حاكم إمارة أبوظبي آنذاك ببناء قلعة مُحصّنة ومقر إقامة له في المكان نفسه، وبعدها أطلق عليه اسم «قصر الحصن».
قصر الحصن العريق هو أقدم بناء تاريخي في أبوظبي بناه شيوخ بني ياس، وقد شكّل، مركزاً دفاعياً رئيسياً في المنطقة.
هذا البناء العملاق هو أحد أهم المعالم التاريخية في دولة الإمارات، يحكي قصة إنسان الإمارات الذي شرع يكتب مسيرة وطنه الأغر على صفحات التاريخ الحديث بأحرف من ذهب، وهو لا يزال ينظر إلى المستقبل بروح وثّابة وعزيمة قوية وإرادة لا تلين ليصل إلى (المريخ)، وإلى أبعد من ذلك بكثير.
وهذا ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالقول: «إن أرض الإمارات تزخر بقصص الكفاح والتضحيات وصلابة الإرادة والعزيمة التي تميز بها أجدادنا وآباؤنا..
وهم يكابدون مشقة الحياة وقسوتها وظروف المعيشة الصعبة ودفاعهم عن تراب أرضهم، وهي قصص ستبقى ماثلة أمام أعيننا وأعين الأجيال القادمة، نستمد منها روح العمل والصبر والمثابرة لتحقيق الأفضل والأحسن لوطننا وأبنائنا».
في زيارتي الأخيرة لـ «مهرجان قصر الحصن»، استشعرت عظمة هذا البناء، كما أن الاحتفاء الكبير الذي يحظى به أثناء فترة المهرجان من خلال الفعاليات التراثية المتنوعة زاده أَلَقاً وجمالاً وإبداعاً.
إننا في حاجة دائمة إلى مثل هذه المهرجانات التراثية الاحتفائية التي تعود بنا إلى ماضي الآباء والأجداد، واسترجاع ذلك الماضي الجميل وتعريفه للأجيال الجديدة، لأن شباب اليوم لا يعرفون الكثير عن عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا، ومثل هذه المهرجانات تجسّد لهم ماضيهم العريق وتراثهم الأصيل.
ذلك أن المرء عندما يرى هذا الموروث يتجسّد أمامه ويشاهده بأم عينه أفضل بكثير مما يقرأ عنه، فالتراث عموماً يمنحنا شعوراً بالدفء والحنين لأيام الماضي الجميلة التي نعشقها، كما أن الفعاليات التراثية تُرسِّخ للهوية الوطنية الإماراتية وتعزز قيم الولاء والانتماء للوطن ولقيادتنا الرشيدة، وهذا ما نطمح إليه.
لقد افتقدنا في هذه الأيام أيضاً «المجالس القديمة»، وهي كما يقول المثل: «المجالس مدارس»، نعم، إنها بالفعل مدارس عظيمة يتعلم فيها المرء أمور الحياة ويكتسب منها الصفات والأخلاق القويمة..
فقد كان الناس قديماً يحرصون على ارتياد هذه المجالس لما لها من آثار طيّبة تنعكس على حيواتهم، فكم من الناس القدماء تَخرَّجوا من هذه المدارس فقدَّموا أعمالاً جليلة لوطنهم وناسهم وأسرهم، وكم من الناس اليوم حُرموا من مآثر هذه المدارس ولم ينالوا حظّاً منها.
نتمنى أن تفعّل جميع الأماكن القديمة في الدولة، بإقامة مختلف الفعاليات الثقافية والتراثية والاجتماعية حولها، كما نتمنى عودة «مجالس الحي» للوجود، حتى تعم الفائدة على الجميع وتعيش الأجيال الجديدة في صميم التاريخ والتراث الإماراتي الأصيل لتصنع بالتالي حاضرها الزاهر ومستقبلها المشرق.
– البيان