د. فاطمة الصايغ
لا يمر يوم دون أن تطالعنا وسائل الإعلام عن الفظائع والجرائم الوحشية التي يرتكبها تنظيم داعش في بلاد المسلمين والعالم.
ولا يمر يوم دون أن نفكر في دوافع هذا التنظيم ومن يقف وراءه ويدعمه ويجعله قادرا على مواصلة الفوضى وفي الإساءة إلى ديننا الإسلامي ومبادئه السمحة. ولا يمر يوم دون أن نعقد المقارنة تلو الأخرى في حالة الفقر والضنك التي تجتاح الكثير من مناطق العالم الإسلامي وفي مليارات الدولارات التي يدفعها هذا «التنظيم الإسلامي» يومياً لشراء الأسلحة الفتاكة والتمدد من مكان لآخر.
ولا يمر يوم دون أن نسمع عن تكاتف الجهود الدولية لإيقاف هذا السرطان القاتل والتمدد الكبير لهذا التنظيم ناشراً القتل والموت في كل بقعة تطؤها قدمه.
وكدارسين للتاريخ تذكرنا فظائع داعش بتلك التي ارتكبها المغول التتار عندما انسابوا من آسيا إلى حواضر العالم الإسلامي في القرن الثالث عشر ميلادي دون أن تستطيع الدول الإسلامية آنذاك إيقافه. كان هدف التتار واضحاً وهو تدمير الحضارة الإسلامية وتدمير الثقافة الإسلامية والعلوم التي جعلت من تلك الحضارة تسود العالم وتتميز على غيرها.
كانت هجمات المغول على بلاد العراق والشام حواضر العالم الإسلامي ومركز الخلافة، هدفاً مهماً للتتار كما هو اليوم لداعش، وكان تركيز التتار على تدمير لب الحضارة الإسلامية، ولذا كان ذلك الهجوم الوحشي على مكتبة دار الحكمة أو بيت الحكمة وحرقها ورمي المخطوطات والكتب النفيسة في نهر دجلة.
داعش تسير اليوم على نفس النهج الذى اتبعه التتار في محاربة الحضارة الإسلامية التي تقوم على السلم والسلام والتعايش السلمي بين أصحاب جميع الديانات والثقافات. مؤخرا طالعتنا الأخبار عن قيام تنظيم داعش بتدمير مسجد الفاروق في العراق، وهو مسجد تاريخي عمره حوالي 1400 عام. تدمير تلك الصروح الإسلامية أو التاريخية هو عمل ارتكبته كل التيارات المتشددة والمتطرفة كطالبان مثلاً، وكأن ليس هناك من هدف لها إلا تلك الصروح.
نقل المعارك لتطال المراكز الإسلامية والتاريخية يجعلنا نتوقف ونتساءل عن السر وراء اختيار تلك المراكز كأهداف لتنظيمات تدعى بأنها «إسلامية»، لماذا يتصرف داعش وكأنه يريد الإساءة إلى الإسلام، وكيف يبرر لمقاتليه ومنتسبيه من الشباب تلك التصرفات؟ ولماذا يحرص في كل مناسبة دينية إسلامية على ارتكاب جريمة يهتز لها ضمير العالم ليربطها بعد ذلك بالإسلام؟ وهل هناك اقتناع حقيقي بين قيادات هذا التنظيم بأن سياسات الجاهلية التي يتبعونها سوف تنجح في خلق «دولة الخلافة» كما يدعون؟ وأين منهم من العلم والابتكار القادر على تأسيس دولة عصرية حديثة تلبي احتياجات الناس في القرن الحادي والعشرين؟
الكثير من الأسئلة والعديد من الإجابات التي لا تروي الظمأ لمعرفة حقيقة هذا التنظيم البشع الذي يروع الآمنين، وينشر الفساد والفوضى في العالم. حقيقة سياسة التخلف التي يمارسها هي حقيقة منقوصة. فمن يتابع العمليات التي يرتكبها يجد نفسه في معضلة لفهم حقيقة هذا التنظيم، ولا بد أنه يجد نفسه في النهاية أمام لغز لا يستطيع فك طلاسمه.
فالعداء للغرب وللكفار هو عداء وهمي. فهو يستعمل أحدث الأسلحة الغربية والملابس العسكرية الحديثة والساعات المصنوعة في الغرب والسيارات المصنوعة في اليابان. ومن المؤكد أن لهذا التنظيم جيوباً متطورة في الغرب تجند الشباب وتقدم لهم الدعم اللوجستي حتى لحظة وصولهم إلى «ميدان الجهاد».
ولكن هذا التنظيم يتبع في سياساته الداخلية أكثر الأساليب المتخلفة وحشية ودموية ولا يتوانى في استخدام أساليب قرون الظلام في الإدارة. هذا التنظيم يستغل الإسلام ليخفي من ورائه وجهه الحقيقي الحاقد على الإسلام.
فهل سوف يشتري الأسلحة من بيت المال أم من الجزية التي سوف يأخذها من النصارى؟ وهل سوف يفتح مدارس للتعليم أم يكتفي بالتدريب العسكري في معسكرات الجهاد؟ وأين هو من العالم من حوله؟ هل سياساته مع الخارج سوف تكون التوسع والفتوحات أم سوف يكون علاقات دبلوماسية مع من يشبهه من المنظمات؟ أسئلة كثيرة بعضها يشكك في قدرة هذا التنظيم على البقاء في المرحلة القادمة والبعض الآخر مؤمن بأن هذا التنظيم ليس بقادر على البقاء يوما واحدا دون المساعدات والدعم اللوجستي الذي يأتيه من أناس خارج نطاق العالم الإسلامي. وكما اتحد العالم من قبل ضد قوى الشر والظلام يتحد العالم اليوم ضد داعش.
وفي اعتقادنا ليس هناك من وسيلة لمقاومة هذا التنظيم أفضل من ملاحقته وفضح أساليبه ومعرفة من يقف وراءه وكشفهم. ولن نكون مستغربين لو عرفنا بأن هذا التنظيم إنما يقف وراءه أعداؤنا وأعداء الإسلام.
– البيان