عادل خزام
ليت في يدها مصيري، لكنتُ سهوتُ في الحرب، ورفستُ باب الوظيفة، وركبت المطار لها. لكن أيامي تعاند بعضها شقاء بعد شقاء. كلما مددت خطوة في الأمنيات، تراجعت أخرى. وكلما رفعت صارية العزيمة، شدّني حبل الرخاوة حتى ماعت المعاني تزوغُ، ويتبدل لونها في ألسن الغرباء، ويتلاعب الدجالون بكلماتها. كل يوم، تخرج لنا الحقيقة بقناع جديد، ولا نملك إلا أن نصدقها قليلاً. وكل يوم، يضجر القلب لأن المرأة التي نحبها تأخرت عن طفولتنا حتى امتلأت دفاترنا بالخربشات، وحتى احتشدت في الأحلام الصور المستحيلة لامرأة تعادل في نورها الكون كله. هي أخت القمر لو تبسّم ثغرها، وهي جناح المسافة إن أردنا الرحيل إلى خلاصنا. ولكن حين كبرنا، جاء الواقع مراً. وما ظنناه الحقيقة هو في الحقيقة مجرد ظلال. وحين فتشنا في المرايا، لم نجد غير وجوه لا تشبهنا. وعندما فتحنا القواميس، رأينا الأسماء تتبدل كلما تبدلت أفعالها. والطريق المستقيمة، كلما مشيناها عادت بنا لنقطة البدء كأننا في الدائرة.
ليت على فمها ندائي، لكنتُ هدمت جدار اليأس هذا، وركبت الطوفان حصاناً كي أفوز بها. لكن كلامها صمت فصيح، وعليّ، إن أردت الدخول في أحلامها، أن أصغي لها بجوارحي. وأن أناديها بالدمع حبراً على الرسائل. وأن أحفر في الريح بأظافري لأرسم كلمة الحب محمولة لها وقت اشتداد العاصفة.
ليت لي ورقة، لاتخذتها بيتاً أعمّرُ فيه نسلاً بعد نسل. وليت لي قلماً أتوكأ عليه، وأكشُّ به غبار المعاني الزائلة. وليت الشمس كرة أدحرجها على الماء فتنشق المسافة كي أعبر نحو عينيها غير خائف من الغرق في التيه. وهذه الريحُ، ليتها جناحي الذي نتفوا ريشه وأنا بعدُ غر، وأوصدوا الفضاء خوفاً أن أطير. بيني وبين الناس جميعهم ثأرٌ ونار. وبيني وبينكِ جسرٌ اسمه المدى الذي لا ينتهي. لكننا عبرناه من جهتين كلتاهما قلبٌ، وتوحدنا في فكرة أن نصفوا، وأن نهزم اليأس بقوة البأس. ومشيتُ نحوكِ طفلاً يطارد فراشة الضوء حتى اهتديت لسر الوردة وعرفت من أين تبوح بعطرها. ثم ركضتُ نحوك أهتف: هيهات تسبقني السلحفاة، وكنتُ أول الواصلين إلى شرفة الوعد، وأول الجالسين على دكة الفجر. لكن الغبار أعمى رؤاي، وما عادت البوصلة تشير إلى اتجاه قدومكِ من أين. وها أنا، واقف لا أزال، على مفترق الجهات الأربع. فمتى وأين تأتين. تجدينني..
– الاتحاد