د. فاطمة الصايغ
لم يكن أهل الخليج بحاجة لتصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة لكي يدركوا أبعاد التهديدات التي تواجههم سواء الداخلية أو الخارجية.
ولم يكن ساسة ومفكري الخليج ليغيب عنهم حجم التأثيرات التي طالتهم من جراء المتغيرات في الشرق الأوسط سواء قبل أو بعد ما يعرف باسم أحداث الربيع العربي. فالخليج ومنذ أن بدأ في استغلال ثرواته النفطية كان مدركاً أنه، وكما أصبح لاعباً مهماً يؤثر على العالم، فإنه أيضاً يتأثر بكل ما يجري من حوله ولا سيما آسيا والشرق الأوسط.
الخليج مدرك منذ زمن طويل بأن هناك احتمالاً كبيراً لتهديدات خارجية لا سيما وأنه يقع في منطقة ساخنة من العالم، كما أنه مدرك أن هناك تهديدات أخرى ربما من جراء ذلك المخاض الطويل الذي خاضته المنطقة العربية.
ما صرح به أوباما أخيراً لإحدى محطات التلفزة الأميركية لا يخرج عن هذا الإطار، فتصريحه بأن «التهديدات التي تواجه دول الخليج لا تتمحور في الأخطار الخارجية بل الداخلية» هو في واقع الأمر مقاربة جديدة للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وما يحتمل أن يجري فيه من أحداث في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني وفي محاولة من أوباما لتسويق ذلك الاتفاق. تصريح أوباما ربما جاء بناءً على توصيات أوصت بها مراكز الأبحاث (التنك تانك) المحيطة بالرئيس والتي غالباً ما تقدم له المشورة عن هذا البلد أو ذاك.
فكما يبدو، وبعد دراسة لمجتمعات الخليج تقدمت تلك المراكز بتلك النصيحة والتي تتمحور حول الغوص في أعماق مجتمعات الخليج واستشراف أهم التحديات المستقبلية والمتمركزة كما تراها تلك المراكز في حجم التحديات الداخلية التي دفعت بعض الشباب إلى التطرف والإرهاب.
هذا ما تمخضت عنه، كما يبدو، توصيات مراكز الأبحاث المحيطة بالرئيس الأميركي.
وعلى الرغم من معرفتنا الأكيدة بدوافع هذه التوصيات وتلك التصريحات وتوقيتها وما إذا كنا نتفق معها أم لا، إلا أن توقيت إطلاقها في هذا الوقت بالتحديد هو توقيت مقصود، فهي تمهد للاتفاق مع إيران، كما تمهد لبدء مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة ككل.
لقد أدركت دول الخليج وقبل هذا الوقت بزمن طويل أن التهديدات السياسية الإقليمية سواء من قبل دول الجوار أو من تأثيرات المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط ككل يتم تضخيمها لأغراض عدة، أولها إطالة أمد التحالفات مع الدول الغربية، وثانيها قضية سباق التسلح في المنطقة، وثالثها صرف النظر عن القضايا المصيرية الكبرى كقضية فلسطين مثلاً.
ولكن هذه السياسة تغيرت بتغير مصالح الدول الكبرى وبتغير تحالفاتها.
هذا الأمر دفع الرئيس الأميركي، وفي خطاب غير مألوف، إلى توجيه تحذير مباشر إلى دول الخليج معتبراً أن أكبر خطر يتهدد هذه الدول ليس التعرض لهجوم محتمل من قبل إيران وإنما التهديدات الداخلية.
أوباما بذلك الخطاب يمهد الطريق لقضيتين، الأولي هي اللقاء المحتمل مع قادة دول الخليج في كامب ديفيد خلال الأسابيع المقبلة، والقضية الثانية هي الملف النووي الإيراني وربما الملف السوري والدور الذي سوف يقوم به العرب.
قراءة في تصريحات أوباما تؤكد لنا فتح آفاق جديدة في العلاقات الدولية في المنطقة كما تؤكد لنا ضرورة البحث في أعماقنا عن بعض الحلول. فمن فترة بعيدة أجمع الكثير من مفكري ومثقفي الخليج على ضرورة التصدي للتحديات الداخلية خاصة بعد تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب.
وقد أجمع الكثيرون على أن معالجة ظاهرة التطرف والإرهاب لا تكمن في فرض الحلول العسكرية بل في احتضان تلك الفئة من الشباب وتقديم الدعم الاقتصادي والفكري لهم في محاولة لانتشالهم من براثن التطرف إلى الوسطية والاعتدال.
وهذا الحل يتطلب بالإضافة إلى العدالة الاجتماعية توفير فرص عمل مناسبة وتوعية اجتماعية ودينية متمثلة في تغير الخطاب الديني المتشدد. مثقفو الخليج ومفكروه أشاروا ومنذ فترة طويلة إلى احتمال نشوء مثل هذه الظواهر الاجتماعية والفكرية وحذروا منها ومن احتمال تهديدها للأمن القومي والمستقبلي لدول الخليج، وهم بالتالي سبقوا أوباما بالتنبؤ بتلك التهديدات الداخلية.
هذه الأحداث جميعها تدعونا، ليس لإعادة قراءة الأوضاع السياسية في منطقة الخليج ومعرفة الأخطار التي سوف تواجهها المنطقة، بل إلى إعادة التأكيد بأن منطقة الخليج يجب أن تتلمس طريقها معتمدة على فكر مثقفيها ومفكريها، فهم أدرى من غيرهم بمجتمعاتهم وتطورها الداخلي وسبل الوقاية من المخاطر.
– البيان