د. فاطمة الصايغ
يكفي إلقاء نظرة واحدة على العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه لندرك مدى البؤس والشقاء الذي تعيشه بعض مناطق عالمنا العربي هذا. فعلاوة على الحروب الأهلية الطاحنة والفتن الطائفية الكريهة والأفكار الرجعية المتخلفة هناك منظمات وميليشيات عسكرية أخذت القانون في يدها وهناك تيارات أصولية متطرفة فرخت لنا أعداداً كبيرة من الإرهابيين والمتطرفين الذين ينفثون سمومهم في كل أرجاء هذه الوسيعة، وهناك لاجئون ومشردون توزعوا على مختلف أصقاع الأرض.
هذا باختصار الوضع العام الذي تعيشه بعض البلدان العربية. هذا الوضع يعكس مدى البؤس والشقاء الذي أصبحت تعيشه تلك البلدان كما يبين لنا مدى الإحباط واليأس الذي تشعر به شعوبها خاصة فئتي الشباب والنساء.
هناك أجزاء من عالمنا العربي أصبحت تعيش وكأنها في أجواء قرون الظلام وأجزاء أخرى منه أصبحت تعيش في خضم حروب طاحنة ما انفكت تأكل البشر والحجر وتؤثر على مستقبل الجميع لا سيما الأجيال القادمة.
فمن هو المسؤول عن سوء الأوضاع في هذه البقعة المهمة من العالم والغنية بخيراتها الطبيعية وثرواتها البشرية؟ ولمصلحة من تتم زعزعة الأمن والاستقرار في هذه البقعة المهمة من العالم؟ ومن المستفيد من تلك الحروب والنزاعات التي ما أن تنتهي في منطقة حتى تبدأ في منطقة أخرى؟ وكيف أحكم الإرهاب قبضته على مفاصل بعض الدول العربية وجعل منها فريسة سهلة لمن يشاء أن يستبيح حرماتها ويسلب ثرواتها؟ وفي ظل هذه الظروف ما هو المستقبل الذي تتطلع إليه الأجيال الجديدة من شبان وشابات: هل مزيد من الإرهاب أم أنهم يتوقون إلى هزة قوية تقلب كل الأوضاع الحالية رأساً على عقب في سبيل عالم جديد خالٍ من كل أشكال العنف والإرهاب وعدم الاعتراف بالآخر؟
لا نلوم أبداً شباب اليوم. فهم قد ورثوا عالماً مليئاً بكل أشكال العنف والتطرف والكراهية. فهم ضحايا جيل سابق عمل على تكريس الكثير من القيم السلبية التي خلفت مناخاً ملائماً للنزاعات والحروب.
ومما ساهم في سرعة انتشار تلك القيم ثورة الاتصالات والمعلومات الأمر الذي أدى إلى تأثر شرائح مجتمعية عدة وخاصة فئة الشباب.
فطفرة المعلومات جعلت من العالم قرية صغيرة يشاهد الإنسان الحدث لحظة حدوثه ويتأثر به ويحاول تقليده. شاهدنا أخيراً فيلم فيديو صور في أحد معسكرات داعش لمجموعة من الدواعش يتحدثون عن توزيع السبايا والغنائم.
هذا المقطع الذي تداولته الفضائيات ذكرنا بقرون مضت عندما كان المقاتلون في الغزوات يقسمون الغنائم بعد انتهاء المعارك ويحصل كل محارب على عدد من الأسهم قد تكون في شكل أسرى أو مال أو ذهب.
وكان الأسرى وخاصة من النساء يتم توزيعهن كجوارٍ ويتم سوقهن كسبايا إلى ديار الغزاة المنتصرين. كنا نعتقد أن هذه المناظر لا توجد إلا في بطون كتب التاريخ، وإذا بالدواعش والإرهابيين يحولون لنا تلك المناظر إلى واقع معاش يدمي القلوب والأعين.
والأنكى من ذلك أن تلك المناظر صورت وكأنها من ميادين الجهاد الأمر الذي يكرس بعض القيم السلبية عن الدين والعادات الاجتماعية. هذه الصور تداولتها وسائل الإعلام وشاهدها ملايين من البشر.
فما هي الرسالة التي وصلت للشباب؟ هل هي رسالة الوسطية والسلام أم رسالة العنف ورفض الآخر؟ وأين مكان العلم والابتكار في نفوس هؤلاء الشباب؟ وهل هذا الوضع الذي آلت إليه أمتنا العربية هي الضريبة التي يجب علينا دفعها كنتيجة للصراع العالمي وظهور نظام دولي جديد؟
الوضع الحالي في عالمنا العربي سوف يخلّف الكثير من الإفرازات السلبية. فهناك شباب دفعوا لمعسكرات التجنيد لخدمة أيديولوجيات متطرفة، وهناك أطفال فقدوا المأوى وفقدوا فرص التعليم وفرص الضمان الصحي، وهناك نسوة يسقن كل يوم إلى حتفهن إما لخدمة أيديولوجيات متعفنة وأما كجوارٍ وسبايا، وهناك نساء تتعرض لصنوف الاعتداء والاغتصاب كل يوم، وفوق كل هذا هناك صمت عالمي رهيب على ما يحدث من حق المدنيين والنساء والأطفال والعجزة في بلادنا العربية.
فمن أطفال غزة إلى نساء العراق ومصر وسوريا وليبيا والصومال واليمن هناك الكثير من المدنيين الذين يعانون معاناة كبرى. وهناك الملايين من المشردين واللاجئين.
الدعم المادي لهؤلاء لا يكفي بل توفير الدعم النفسي والسياسي حتى لا نجد أنفسنا في النهاية أمام مأساة عربية. فاللاجئون العرب ليسوا فقط في العالم العربي بل غصت بهم تركيا وأوروبا أيضاً. إن ما يحصل في العالم العربي اليوم من مأسٍ سوف يؤسس في المستقبل لجيل خارج عن القانون. فالحرب يصنعها الكبير والقوي ويكتوي بنارها الضعيف والعاجز. فهل ما يحدث من فظائع في العالم العربي هي خطط مرسومة له من قبل عقود لتحقيق ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير؟
– البيان