نورة السويدي
حين التأم شمل إماراتنا الحبيبة وأعلن قيام اتحادنا الميمون في العام 1971، لم تكن كثير من القرى تصلها أي من الخدمات التعليمية، بل لم يكن عدد طلبة الدولة ككل يتجاوز 28 ألف طالب، وكان على من يرغب في إتمام تعليمه بعد الدراسة الثانوية السفر إلى إحدى الدول العربية أو حتى الأجنبية لينال التعليم الجامعي، واليوم وبفضل الرؤية الحكيمة لقيادتنا الرشيدة والجهود المخلصة الأمينة، تتصدر الإمارات القائمة العربية في التعليم حسبما ذكر تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتحتل الدولة المرتبة 45 عالمياً.
ثمرات مباركة زرع غراسها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي أكد أن نشر التعليم واجب قومي، وأن رصيد أي أمة متقدمة هو أبناؤها المتعلمون، وأن تقدم الشعوب والأمم إنما يقاس بمستوى التعليم وانتشاره، بل جعل، رحمه الله، العلم قريناً للعزة والسؤدد معلنها مدوية «لقد آن لنا أن نستعيد عزتنا ومجدنا، ولن يكون ذلك بالمال وحده، وما لم يقترن المال بعلم يخطط له وعقول مستنيرة ترشده، فإن مصير المال إلى الإقلال والضياع.. وإن أكبر استثمار للمال هو استثماره في خلق الأجيال من المتعلمين والمثقفين».
هذا المشعل حملته القيادة الرشيدة جيلاً بعد جيل لأنها تؤمن برفعة المطلب وقيمة الهدف، وتدرك أن جميع مكتسبات الأرض لا تعدل جوهرة الثقافة، وأن أبناءنا المتعلمين أغلى عندنا من كنوز الدنيا.
حقائق ربما لا نضيف جديداً بتقريرها، ليس لأن القاصي والداني بات يعرفها، بل لأن شواهدها من الواقع باتت أجلى وأوضح من أن تحتاج إلى أدلة، وفي كل عام تبادر منظمة دولية أو جهة عالمية إلى تقدير وتكريم مسيرة دولة الإمارات في ميدان التعليم والدراسات الجامعية ومحو الأمية والاهتمام بتعليم ذوي الاحتياجات والكبار وتبسيط إجراءات طلب العلم وتذليل العقبات.. وهي شهادات تعزز من ثقتنا بصدق منهجنا.
لكن المراهنة الأصعب هي المحافظة على هذا التصدّر عربياً والتقدم في الميدان العالمي بثقة وبخطوات أسرع، وهي مسؤولية بلا شك يتصدى لها رجال أكفاء يعرفون قيمة العلم ويؤكدون ثقة الأجيال الناشئة بجدوى العلم والتعلم، وينقلونهم من جمود التلقين إلى رحاب الإبداع، ومن واجب الكتاب المدرسي إلى حمى طلب المعرفة، ومن وطأة المنهاج المحدود إلى ميادين الفكر الإنساني اللامحدود.
بغير هذه الروح الوثابة لن نستطيع المنافسة عالمياً، لأن العالم اليوم لم يعد يؤمن بتكديس الشهادات بقدر ما أصبح يعطي القدر الأكبر من القيمة والأهمية للإبداع والابتكار وخدمة الإنسانية، والحضارات تبنى بالتعليم، كما أكد ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتابه «ومضات من فكر»، وأضاف: «مستقبل الأمم يبدأ من مدارسها، وعملية تطوير التعليم هي شيء مستمر، ليس له نقطة نهاية، لأن العالم يتطور، والعلوم تتسع».
مسؤولية مشتركة يتعاضد فيها الكيان التعليمي والأسرة والمجتمع لجعل التعليم متصدراً في أولوياتنا حتى نبقى متصدرين برايته حضارياً وإنسانياً، والواقع العربي خصوصاً يؤكد أن نور المعرفة الحقيقية هو مفتاح الحضارة وأن الجهل والظلامية والتفكير السطحي التلقيني المتحجر أوصل الكثير من الشباب إلى ساحات الإجرام رغم أنهم يزعمون أنهم يريدون الإصلاح، وحطم الكثير من أحلام الشعوب على أيدي أبنائها بدعاوى التغيير الجاهلة.
نعم نريد علماً وتعليماً يعليان من مكانة الإنسان مقرونين بالأخلاق والتربية، لأننا أحوج ما نكون إلى الإنسان الكامل النابض بالحياة، لا إلى محركات البحث المتحركة حتى ولو كانت مخزنة لملايين المعلومات.
– البيان