د. فاطمة الصايغ
في كتابه «رؤيتي» أورد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم سؤالاً وجهه له أحد الصحفيين مفاده «بأنه لو قدر له أن يرى ليلة القدر ماذا كان يتمنى». فرد صاحب السمو بأنه لا يتمنى الخير لبلاده فقط، بل يتمنى الخير لكل العرب.
فأمنيته أن تشهد البلدان العربية نفس التطور والنهضة التي تشهدها الإمارات، وبذلك يعم الخير والرخاء كافة أرجاء الوطن العربي. تمنيات قلبية مشهودة من قائد مشهود له ورجل وضع عصارة جهده وفكره لكي تصبح بلاده جنة وارفة الظلال يفيء بظلها كل من وفد إلى أرضها من كافة أصقاع العالم، حيث ينعم الجميع في أرجائها بالأمن والأمان والاستقرار. أراد محمد بن راشد لجميع العرب بأن يحظوا بما حظيت به الإمارات.
هذه التمنيات يجب ألا تبقى تمنيات فقط، ولكن عبر العمل المشترك يمكن للعرب أن ينجحوا في وضع بلدانهم في مصاف دولة الإمارات. ولكن الناظر إلى العالم العربي اليوم يرى مأساة حقيقية. يرى الضعف والتفكك السياسي ويرى البطالة والفقر تعم معظم أرجاء عالمنا العربي ويرى ظواهر وتيارات فكرية ويرى إرهابا وتطرفا خطيرا يهدد وحدة هذه الشعوب الداخلية، ويرسم معالم طريق غير واضحة لهذه البلدان.
العالم العربي اليوم مفكك الأوصال، إرثه الإنساني والتاريخي يهدم وينهب، وميليشيات مسلحة تعيث في أرضه فسادا وتدميرا تارة باسم الدين وتارة أخرى باسم الطائفية، مهددة كل القيم الإنسانية التي قامت عليها المجتمعات العربية عبر التاريخ. البعض يرى أن أوضاع العالم العربي هذه هي نتاج لمؤامرة خارجية على هذا العالم الذي يملك إرثا حضاريا وتاريخيا كبيرا كما يملك كل عناصر القوة والثروة.
ولهذا فإنه يتعرض لمؤامرة هدفها إشغاله عن التنمية الجادة. والبعض الآخر يرى بأن ما يجري على أرضه هو نتاج لسياسات قاصرة ومصالح فئوية ضيقة، ولكن الحل لا يكون في الركون إلى نظرية المؤامرة أو إلقاء اللوم على الآخر وإنما في السعي الدؤوب لمعالجة قضايا التنمية الملحة بالعمل الجاد والاستفادة من تجارب الآخرين. محمد بن راشد عرض في اكثر من مناسبة مد يد العون والمساعدة لمن يريد الاستفادة من تجارب الإمارات الناجحة في التنمية. فتمنيات محمد بن راشد للعالم العربي ليست صعبة. فالبلدان العربية لا ينقصها أي عنصر من العناصر اللازمة للتحول إلى دول قوية ومستقرة وغنية.
فهي غنية بالثروات الطبيعية وغنية بالمياه وبالمواد الخام وبالثروة البشرية. ما ينقصها فقط هو الإرادة القوية والقدرة على توظيف عناصر قوتها تلك لرخاء شعوبها. تجارب الإمارات هي للعرب جميعا، وفكر محمد بن راشد للعرب جميعا.
فما حققه لبلده ومجتمعه لم يكن سهلاً، وفي نفس الوقت لم يكن صعباً. فمن ينظر إلى بلدنا الإمارات قبل نصف قرن لا يمكنه أن يصدق أنه في الإمكان أن تشهد هذه البقعة كل هذا التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي الرائع والمثير للانتباه. محمد بن راشد ومن قبله الآباء المؤسسون كانوا واقعيين وخياليين في آن واحد. فقد توقعوا لهذه المنطقة الكثير من الرؤى ووجدوا الكثير من العقبات والصعوبات.
اجتيازهم لتلك العقبات وتغلبهم عليها عقبة تلو الأخرى مثال للتصميم والرغبة الأكيدة لتحقيق حلمهم في أن يروا مجتمعا أفضل عبر تحقيق رؤاهم ونقلها من خانة الحلم إلى خانة الواقع.
ما يحتاجه العالم العربي لكي يتطور هو تصميم وإرادة حقيقية قادرة على تجاوز الحلم إلى الواقع ووضع الرؤى التي من شأنها النهوض بالمجتمع وأهله. فقد أثبتت الثورات العربية بأن الشعوب في إمكانها متى ما تم قيادتها في الطريق الصحيح أن تفعل المستحيل وأن تغير الواقع إلى واقع آخر.
رؤية محمد بن راشد يمكن أن تصبح ميثاقاً تسير عليه الحكومات والشعوب، وأن تتعلم منه أساليب الإدارة الحديثة وأسباب النهوض بالشعوب عبر تقديم القدوة الجيدة وعبر بث روح التصميم والروح الإيجابية. بهذا تكون تلك المجتمعات قادرة عل شق طريق جديد لنفسها غير الطريق الذي تسير عليه. زرع الأمل في نفوس الناس عبر الطاقة الإيجابية وعبر التفاؤل بتحقيق ما يبدو أنه مستحيل هو في حد ذاته دافع قوي للعبور إلى المستقبل بنظرة إيجابية.
فالتفاؤل هو في حد ذاته دافع قوي لبث الأمل في النفوس. ولكي ننقل رؤية محمد بن راشد للعالم العربي كله علينا أن نستمد من رؤية القائد الملهم دروسا وعبرا، وأن نستمد من تلك الرؤية الطاقة الإيجابية والقدرة على النظر بتفاؤل إلى المستقبل.
– البيان