د. فاطمة الصايغ

في إطار استعداداتها لمعرض إكسبو 2020 لم تأل دبي جهداً في سبيل تحقيق العهد الذي أخذته على نفسها وهي أن تبهر العالم. وبعفويتها المدروسة وبتحضر منهج وبتطور سابق للعصر والأوان، أعلنت دبي بأنها لن تحتضن المعرض الأكبر في التاريخ فقط ولكنها سوف تظهره بطريقة لم يقدم بها من قبل.
هذا العهد صادف أهله. ففي حديثه لوسائل الإعلام صرح الرئيس الأميركي جيمي كارتر خلال زيارته الأخيرة لدولة الإمارات بأن دبي تملك مقومات كثيرة ومتنوعة وقوية جعلت كل المتنافسين يبدون ضعافاً أمامها.
أحد الزملاء الخليجيين علق على تطور دبي المذهل قائلاً كلما أتى إلى دبي أحس بأن العالم العربي لا يزال بخير وأن هناك أناساً تعمل من أجل إسعاد الآخرين، أحس بأن الخليج يمكنه تصدير قدوة متميزة وأن عالمنا العربي قادر على النهوض مجدداً من كبوته والانطلاق في فضاءات غير محسوبة ولا متوقعة. جريدة الفايننشال تايمز العريقة ذكرت مؤخراً في تقرير لها عن دبي بأنها أنموذج متميز للمدن العصرية الحديثة..
وهي استطاعت أن تضاهي أعرق المدن وأحدثها مثل ساو باولو وسيدني ونيويورك وطوكيو وأن تنوع اقتصادها بعيداً عن النفط وأن تأتي بموارد جديدة كالسياحة مثلاً. ولكن الجريدة نست حقيقة مهمة وهي أن تلك المدن كانت تمتلك من المقومات الطبيعية والبيئية ما أهلها أن تحتل تلك المكانة ولكن دبي التي نبعت في الصحراء كان لديها العديد من العوائق خاصة بما يتعلق بقطاع السياحة.
فقد كانت فكرة السياحة في الصحراء غريبة على عقلية السائح. ولكن دبي المتميزة في التسويق، نجحت في تسويق فكرتها شرقاً وغرباً وأثبتت للعالم بأن الصحراء يمكن أن تنبت ذهباً متى ما تعهدتها بالرعاية والاهتمام.
استطاعت دبي عبر تاريخها الطويل أن تضرب نموذجاً مغايراً لتطور مدن الخليج. فهي المدينة الميناء وهي واحدة من المدن القلائل في تاريخ الخليج الحديث التي امتلكت مجتمعاً تجارياً مؤثراً في سياساتها وفي تطورها الاقتصادي. ففي الماضي كانت هرمز وسيراف … على الساحل الشرقي للخليج مدناً مزدهرة تجارياً ولكنها لم تستطع مقاومة متغيرات التاريخ وضراوة الجغرافيا.
وهكذا بادت تلك المدن وتركت مواقعها خاوية. دبي قاومت للتغلب على صعوبات البداية وضراوة البيئة أيضاً إل أنها امتلكت شيئاً مهماً أل وهو رؤية مؤسسيها تلك الرؤية التي جعلتها تنهج منهجاً مغايراً جعل منها حتى في أحلك الحقب «أيقونة الصحراء».
فقد استطاعت دبي أن تحول عناصر الضعف إلى قوة وأن تستفيد من الأوضاع الإقليمية لترسخ من مكانتها وأن تقوى من اقتصادها وتجعل منه اقتصاداً منفتحاً قادراً على المنافسة والديمومة.
أدركت دبي ومنذ البداية بأن التجارة والاقتصاد يقومان على عدة مقومات أهمها الابتكار والإنجاز والتسويق الجيد اللازم لتحقيق السبق. كان ذلك قبل أكثر من قرن من الزمان. وفي الحقيقة لم تواجه دبي آنذاك منافسة تذكر. فالمقومات التي سوقت لها جعلتها تحتل المركز الأول دون أي منازع بل جعلت منها أنموذجاً مغايراً للتنمية.
«أيقونة الصحراء» لم تنسَ ماضيها وتقاليدها أو بيئتها الصحراوية. فالكثير من مقوماتها السياحية في الواقع هي إحياء لتراث البادية ورياضات الصحراء وهذا سر نجاحها وتميزها. استطاعت دبي المزواجة بنجاح بين إرثها الصحراوي وبين أحدث ما توصلت إليه الحضارة المعاصرة. كما استطاعت أن تمزج بين تجارب الأجيال القديمة وبين الفكر المتجدد للشباب.
فظهرت دبي كأنموذج متميز بين مدن العالم. استطاعت أيقونة الصحراء أن تكسب حب وعشق الملايين حتى الذين لم يسبق لهم زيارتها. فقد عشق الكثيرون ديناميكيتها وسرعة إيقاعات الحياة فيها وذلك الأمل والتجدد الذي تبعثه في النفوس وتلك النكهة الشرقية التي تحيط بها وعشق قيادتها لها.
لقد عرفت دبي بأنها مدينة محظوظة. فقد كان من المفروض أن تذهب كل تلك الشهرة وتلك التجارة إلى موانئ شبه الجزيرة المطلة على المحيط الهندي مثل عدن مثلاً. ولكن الإجراءات الاقتصادية المتبعة في ميناء عدن وفي الموانئ الأخرى لم تكن بقادرة على جذب التجارة أو حتى إبقائها فيها في ظل الأوضاع الإقليمية المترجرجة.
وهكذا قدر لدبي أن تكون هي الميناء الأكثر شهرة والميناء الذي استطاع جذب التجارة والأعمال وبالتالي احتلال تلك المكانة التي يحتلها اليوم. بالإضافة إلى ذلك تميزت دبي عبر السنين بقدرة متميزة على قراءة الأحداث واستقراء القادم منها والاستفادة منها خير استفادة بواسطة قيادة سخرت كل طاقاتها لتحويل دبي إلى المدينة الأسعد في العالم.
– البيان