عادل خزام
ماذا يفعل القتلة في الحديقة؟ ومن الذي رمى للمجنون كرة النار وأغواه كي يدحرجها بين بيوت القش. كيف صار المذيعُ، وهو الأخرس الفصيح، ناطقا بالصدق. ومن أين جاء الدجّال بالكذبة وسوّاها يقيناً في عقول الغافلين.؟ هل دارت الأرض من عكس مشرقها، أم أنها الأضداد تسطعُ في السطوح ويختفي لبّ الحقيقة جمرا تحت رمادها. أم تراه الوهمُ جاء تجليا وسكن العيون الحائرة؟ وإلا كيف تلوثَ النهرُ بالأحمر ولم يبكِ ولم يثأر، وبأي قوة ارتفعت السكّين لتنحر المسكين، وكيف تزينت البشاعة بأقنعة بشرٍ ملثمين، عيونهم جاحظة بالرعب، وأنيابهم مغموسة في الدم الآدمي. هل هذا هو الويلُ، أم أنها الفقاعةُ تكبرُ في تدحرجها وحين تسقط ينجلي منها الفراغ. وهل هذا صنيع سماسرة بعيدون نحنُ البيادق في لهْوهِم، أم أنها الذاتُ تضجرُ في تململها فتستدعي الماضي لتموت به ومنه وفيه.
ماذا سيبقى من توائمنا لو تناطحنا في بطون الأمهات. ها هي الخيولُ تركضُ أسرع من فكرة الريح، وها هُمُ فرسانها قفزوا فوق حواجز الخوف وهزموا النهاية حتى صار المستقبلُ ذيلهم وظلالهم. ونحن، بعد أن بنينا الجسرَ، عدنا لنهدم غيره. وبعد أن طوينا خلافات الماضي وأغلقنا كتب الجهل. عاد من ينبش بين صفحاتها عن سر الضعف فينا. هل أشرق الفجرُ في غير موعده ونحن نيام، أم تراها الغفلة تسيّدت على الروح وأدخلت أصحابها في عتمة حلمٍ مطفأ. فما عاد أحدٌ ينتظر كلمة الضوء، ولا أحد يكترث لمشرق الوردة من جديد.
ماذا، بعد أن جمعت الكنز، حين فتحته وجدته فارغا ومثقوبا. وماذا، بعد أن بنيت قصرك ما بنيت، حين دخلته وجدته خرابا. وهؤلاء الذين شددت قلبك نحو قلوبهم، ماذا لو قابلوك بالسيف ونحروا أمنياتك في العلن، وقالوا: عُد لاغترابك. تُراك بعد هذا تصير نقياً، أم يلاحقك الخطأ لأنك أول من ابتدع الخطيئة، وأول من توهم أن النوايا تكفي، وأن البشر ينحدرون من نبعٍ صافٍ لم يلوثه الجشع. وسيكون لزاما بعد ذلك أن تفتش داخلكَ عن المفاتيح التي خبأتها وراء ظهرك، وعن الكلمة التي لم تستطع نطقها أمام المرآة. وأن فعلت ذلك، حتى لو كنت متأخرا، سترى أن الحقيقة، وهي (الكنز العظيم)، كانت دائما تحت رجليك، وهي ترابك لو كنت ثابتا منذ البداية. لكنك جنحت تركض وأنت تلاحق الليل بحثا عن فجره، وسوف تظل هكذا حتى النهاية.
– الاتحاد