علي أبو الريش

في الزمان القديم، كان الأطفال يصنعون ألعابهم بأنفسهم، ويعكفون على حمايتها والعناية بها ضد العطب.. اليوم كل شيء تغير، اليوم الطفل تأتيه ألعابه وهو نائم، ولما يصحو ويفتح عينيه، ويرى ما قدمته له يد الأم الحنون، يرفع رأسه، ينظر إلى اللعبة الجديدة، يتفحصها، ثم يمط بوزه، ويشيح جانباً، دون أن يبدي عن حالة رضا أو حتى كلمة شكر لمن قدم له الهدية، وعندما يفرغ من النوم، وينهض مطقطقاً أصابع يديه، يلتفت إلى اللعبة مرة ثانية، يجذبها نحوه، ثم يبدأ في تفكيك مفاصلها، ثم ينثر الأعضاء المكسورة في ساحة الغرفة وينهض غير مبال بما فعل، ولا مكترثاً بما فعلته يداه، وقد تقابله الأم مبتسمة، الأب في انتظار ابتسامة تشرق على محيا الصغير، إلا أنه لا يفعل ذلك، ولا يفكر أن يثلج صدر الوالدين بابتسامة شكر أو فرح، لأنه ما عاد لديه من المشاعر التي تجعله يفرح بالجديد، لأن السعادة تفسد العبادة، وإذا كانت المشاعر الدافئة شيئاً من العبادة، فإن صغار اليوم فقدوا هذه السعادة وفقدوا العبادة، لأن المقولة تقول: ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة.. وصغار اليوم اعتادوا على تلقي الأشياء من دون جهد أو عناء، اعتادوا على الهدايا التي تأتي من دون طلب لأن الآباء يريدون أن يعوضوا أنفسهم بما فقدوه، على أيدي أبنائهم ومثل هذه الحلول مبتورة الأجنحة لا تدع الطيور الصغيرة تطير بفرح، ولا تدعها تفكر في شكل اللعبة طالما ستتبعها أخرى وبسرعة فائقة.. ما يحدث في زماننا، شيء من الصدمة الحضارية التي ألغت الإحساس بالفرح، وأزاحت من الذهن التفكير بقيمة ما يقدم بينما كان الصغير القديم، كان يشارك في الفعل، ويده كانت جزءاً من عقله في صناعة اللعبة المطلوبة، كان يعرف أنه لو لم يشارك، فلن يحظى بما يتمنى، كان على يقين أنه لابد وأن ينغمس في الفعل، وينهمك في التفاعل، حتى يصبح شريكاً في صناعة الفرح، وإذا لم يفعل ذلك، يصبح الفاقد والمفقود، في يومه الموؤود.
الطفل القديم، كان طفلاً كبيراً، مسؤوليته في الأسرة، لا تقل عن مسؤولية الكبار، كان إن أساء استعمال ما بين يديه، يجازي بمثل ما يجازي به الكبار، وبالتالي ينشأ والمسؤولية معلقة على عاتقه كما أنه يشب، وفي فؤاده تنمو زهرة الحب للأشياء من حوله، فلا يقسى عليه ولا يمسها بسوء.. الفل القديم كان مثالياً، والطفل الجديد مجرد تمثال من العاج يحتاج إلى تلميع يومي حتى يعيش.
– الاتحاد