عائشة سلطان

لا أعرف إن كان هناك تفسير أو وصف علمي للحالة لكنني أعرف ان الدماغ قد يصاب بشيء يشبه الصدمة حين يجد نفسه في بعض المواقف والأحوال التي لها علاقة باختلالات الزمان والمكان، كأن تكون في زمان ما أو في عمر ما في مكان ما ويمر زمن طويل على ذلك، فتغادر المكان نهائيا فلا تعود إليه او تكبر في العمر كثيرا، ويمضي بك الزمان ويبعدك عن تلك الحالة أو ذلك الزمن ثم ولسبب ما تعود إليه فتجده كما تركته، لم يتغير شيء فيه، لكنك كبرت، الأحوال حولك تغيرت، الناس لم تعد كما كانت، زلزال التغيير ضرب النفوس والقيم وكل شيء، وعقلك واقع في عمق الحيرة لا يدري كيف يستوعب الحالة، يخيل إليك لحظتها أن تترك المكان وتفر أو تغلق الأبواب وتمضي، ذاكرتك تؤلمك كثيرا، أنت وحدك من يشعر بهذا الألم، لانك وحدك من أقام في ذاك الزمان أو عاش في ذلك المكان !
يحدث ذلك عندما تفارق أصحابك الذين كانوا جزءا من حياة حافلة بالتفاصيل كأصحاب المدرسة، زملاء العمل، جيرانك في الحي، أصدقائك في الجامعة التي درست فيها في بلاد بعيدة، لكنك بعد سنوات طويلة، تكون انت قد كبرت، تزوجت انجبت اطفالا كبروا سريعا صاروا قاب قوسين أو أدنى من التخرج، واذا بك امام اولئك الذين فارقتهم، بالكاد تتذكر الأسماء، تجد صعوبة في استكمال الاسم، تضرب على جبهتك محاولا التذكر، تفلح مع البعض وتفشل مع البعض بحسب علاقتك السابقة بهم، يحدث لك ذلك حين تجد بين يديك ظرفا ارسله احدهم يحوي مجموعة من صورك حين كنت في المرحلة الابتدائية، كل ما يبدر منك ساعتها مجرد ابتسامة عريضة تتحول الى قهقهة عالية وجملة مرفقة: (معقولة هذا انا) !!
بعد قليل يتحول الضحك والقهقهة الى ظل غائم لحزن عميق أو ربما أسى مختبئ، على العمر الذي ذهب كيف ذهب، كيف كبر هؤلاء الذين كانوا في الصورة اطفالا صغارا، كيف حبست الصورة الصغار بكل هذه البراءة والطزاجة ولم تستطع كل محاولاتك أن تحبس العمر أو البهجة أو البراءة فيك؟ لن تنكر انك لم تحاول ان تكبر، او لم تفكر في هذه الفكرة المستحيلة او لم تسأل نفسك هذا السؤال الذي يضحك الكثيرين مع انه يشكل اقصى أمنياتهم واصعب أحلامهم: كيف يمكنني أن أظل صغيرا ولا اكبر؟؟ هو المستحيل الوحيد الواضح والحقيقي الذي لا يكف ولم يكف العالم عن البحث عن حل لشفرته منذ قرون طويلة !!
اليوم لا يعتقد أحد أن عمليات التجميل والشد والنفخ والبوتكس والتنحيف والعقاقير والفيتامينات المكملة للقوة والنشاط هي مجرد تجارة أو بدع طبية، الانسان لا يزال يبحث عن اجابة لسؤاله القدري الباحث عن الخلود: كيف يمكن ألا نكبر؟؟
– الاتحاد