يتزامن يوم الشهيد الذي أمر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أن يكون في الـ 30 من نوفمبر كل عام، مع تاريخ استشهاد أول إماراتي «سالم سهيل بن خميس» في الثلاثين من نوفمبر عام 1971.
أول شهداء الإمارات، عسكري أول- رقم 190- من شرطة رأس الخيمة، وهو الابن الرابع لسهيل بن خميس، ووالدته فاطمة بنت هلال، وهم من أهالي المنطقة الشمالية الشرقية، وتحديداً من منطقة زراعية نائية وسط قرى المنيعي الجبلية.
كان منزل سهيل بن خميس البسيط يتكون من عريش وثلاث خيم ومظلة، تحتها المطبخ ومكان لتناول الطعام، وحظيرة أغنام في زاوية المنزل، وعندما وُلد سالم فرحت عائلته البسيطة كثيراً بقدومه، وعلى الرغم من بساطة العائلة قام والده بإقامة وليمة تتكون من العيش واللحم والثريد، دعا إليها أبناء قريته كافة، وعندما بلغ سالم السادسة من عمره أخذه والده إلى «المطوع» كي يتعلم على يديه القراءة والكتابة وحفظ الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، ثم انتقل إلى مدرسة «الحويلات» الابتدائية في رأس الخيمة لدراسة المرحلة الابتدائية في حياته، واكتفى بهذا القدر من التعليم ولم يكمل دراسته لأنه لطالما حلم منذ طفولته بأن يكون رجل شرطة، كي يوقف عمليات السرقة وقطاع الطرق التي كانت تعاني منها بعض المناطق في البلاد، وقد تحقق له الحلم لاحقاً.

وتفصيلًا، يسرد حكاية أول شهداء الإمارات الأبرار، ضرار بالهول مدير عام مؤسسة وطني الإمارات قائلاً: « كان سالم سهيل يبلغ 16 عاماً عندما التحق بمديرية شرطة رأس الخيمة، وتحقق له حلمه بأن يحمل سلاحاً ليدافع به عن وطنه من اللصوص وقطاع الطرق، مع العلم أنه سبق لسالم أن عمل في فرقة موسيقى شرطة الشارقة، وعلى الرغم من مهارته في العزف الموسيقي، إلا أنه وجد نفسه أكثر كفاءة في حمل السلاح للذود عن الوطن، فترك الموسيقى واتجه نحو حمل السلاح بدلاً من الآلة الموسيقية».
وذكر أن الشهيد سالم سهيل لم يكتف بانخراطه في سلك الشرطة فقط، بل كان يتطلع للانضمام إلى الجنود الأغرار، وتقدم بالفعل بأوراقه، ليضم اسمه في كشف الجنود الأغرار، فكان له ذلك وتم إعطاؤه الرقم العسكري: 190.
تميز سالم سهيل عن بقية زملائه بأنه كان الأكثر انضباطاً وجاذبية في العمل العسكري، ملتزماً بكافة الأوامر العسكرية التي كان يتلقاها من رؤسائه، وذلك أثناء عمله في حصن الشرطة في مدينة رأس الخيمة.
أما بداية الحكاية، فيرويها بالهول كالتالي: «استيقظ سكان جزيرة طنب الكبرى في 30 نوفمبر 1971، والذين لم يتجاوز عددهم 120 فرداً، فجر ذلك اليوم على أصوات أزيز الطائرات العسكرية المرعبة وسط ذلك الظلام الدامس، ولحظات قليلة ويرتفع صوت الضجيج أعلى فأعلى، وما كان الضجيج سوى أصوات السفن والزوارق البرمائية الحربية الإيرانية المدججة بأحدث الأسلحة، تستعد لمواجهة ستة عسكريين إماراتيين فقط منهم سالم بن خميس
وبعد لحظات رست السفن الإيرانية، بينما طائراتهم مستمرة في الحوم حول الجزيرة، وإخافة سكانها البسطاء، وحينها أدرك العسكريون الإماراتيون أنهم يتعرضون لغزو إيراني، فأبلغوا شرطة رأس الخيمة عبر جهاز اللاسلكي.
وقبل أن تبدأ المعركة، قام الغزاة بإسقاط المنشورات على أهالي الجزيرة، تأمرهم بالاستسلام فوراً وعدم المقاومة، وأنهم منذ اليوم أصبحوا من رعايا الدولة الإيرانية، وبمجرد اقتراب الغزاة من مركز شرطة الجزيرة بادر العسكريون الستة بإطلاق النار على الغزاة الذين ردوا بوابل من الرصاص الذي كان يخترق مبنى المركز، ثم أمر سالم سهيل زملاءه بالتجمع حول سارية علم رأس الخيمة، والدفاع والذود عنه والحرص على عدم إنزاله نهائياً من السارية، واستمروا في إطلاق النار على كل من يحاول من الغزاة اختراق مركز الشرطة.

هدأت المعركة قليلاً بعد ذلك، وطلب الغزاة التفاوض على استسلام الجنود الإماراتيين، لكن سالم سهيل ردّ عليهم بأن علم بلاده لن ينزل عن ساريته، فكان الردّ الإيراني بوابل كثيف من الرصاص لمبنى الشرطة، والجنود الإماراتيون يردّون عليهم، كل واحد من الستة اختار جانباً من جوانب المبنى لإطلاق النار، واستمر الحال هكذا لمدة ثماني ساعات، فاستعان حينها الغزاة بجنود «كوماندوز» ومظليين لاقتحام المبنى، قُتل منهم أربعة على يد الجنود الإماراتيين، وكذلك قائد للإيرانيين برتبة جنرال، فرّد الإيرانيون بإطلاق قذائف زوارقهم الحربية، وأصيب الجنود الإماراتيون بالإنهاك، وجرح اثنان منهم بطلقات إيرانية، وعندما أدرك سالم سهيل أنهم خسروا المعركة، وقف عند سارية العلم رافضاً نزول العلم، فأطلقت عليه النيران التي نهشت جسده، واستسلم الخمسة الباقون.
وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، كرّم الشهيد الإماراتي الأول سالم سهيل، مطلع ديسمبر الماضي، عندما أطلق سموه مبادرة لتكريم 43 شخصية وطنية بمنحهم ميدالية أوائل الإمارات إضافة إلى تخليد أسمائهم في ذاكرة الإمارات عبر أرشفة حكومية وكتاب سنوي حكومي خاص بهم، حيث شمل التكريم الأوائل السابقين في مختلف المجالات، والأوائل المنجزين، وأصحاب الابتكارات والمبادرات.
– البيان