استضاف مجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة مساء اليوم محاضرة للبروفسور السويسري ستيفان جاريللي بعنوان ” المشهد التنافسي العالمي عام 2015م ومابعدها متقلب ولكنه قابل للتنبؤ”.

شهد المحاضرة سمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية وسمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع.

كما حضر المحاضرة عدد كبير من كبار المسؤولين والمدعوين المحاضرة التي اشاد فيها المحاضر بالتطور الكبير الذي حققته الامارات في مجال الاستدامة وحصولها على المركز الثاني عشر في مجال التنافسية العالمية والمركز الثالث في التنافسية الحكومية.

وقال المحاضر ان المشهد التنافسي العالمي رغم مروره بمرحلة غير مسبوقة من التقلب وبطء النمو وعدم الاستقرار المالي والنقدي والسعري إلا أن التمزق وانعدام التزامن يميزان هذا المشهد بشكل متنام.

واضاف ان هذا التقلب لا يعني عدم القدرة على التنبؤ فهناك بعض القضايا الرئيسة التي لابد أن تستمر في صياغة المشهد التنافسي.

واشار الى ان الاقتصاد العالمي لم يتعاف بصورة كاملة منذ ” الكساد الكبير” في عشرينيات القرن الماضي وحتى الآن ويبدو أنه بات يصارع حالة من الركود الكبير.. لافتا الى ان الاقتصاد العالمي يتميز بأنه “غني بالسيولة وفقير استثماريا”.

واوضح ان البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان اغرقت السوق بالسيولة التي وجدت طريقها إلى أسواق المال وموازنات الشركات فعلى سبيل المثال تمتلك شركة “آبل” اليوم سيولة بمقدار 158 مليار دولار.

ولاحظ ان مستويات الاستثمار لا تزال كما هي منذ سنة 2008م وان معدلات الفائدة هبطت هبوطا حادا ومن المرجح أن تظل منخفضة لبعض الوقت نتيجة لهذا الفائض في السيولة والعجز في الفرص التجارية.

واكد المحاضر ان حاجة غالبية الحكومات إلى المال لسد العجز في ميزانياتها ستستمر كما سيزداد ضغط الضرائب.. مشيرا الى ان نحو ملياري دولار من أرباح الشركات يتم وضعها خارج الولايات المتحدة ولا تعود إلى الوطن بسبب ارتفاع الضرائب وفقا لتقديرات الحكومة الأمريكية.

ولفت الى ان منظمة التعاون والتنمية تجري في الميدان الاقتصادي إصلاحات كبيرة على النظام الضريبي الدولي استنادا إلى الشفافية والمساءلة وان من الأهداف الرئيسة المنشودة إلزام الشركات بدفع ضرائب على عائداتها بغض النظر عن مكان تسجيلها.. مضيفا ان “أمازون” و “ستاربكس” بدأت تستجيب لذلك.

واكد ان هناك الكثير من الأخبار الطيبة مثل ازدياد اتساع قاعدة الاقتصاد العالمي وازدياد عدد اللاعبين الجدد والعلامات التجارية في الاقتصادات الصاعدة حيث لم تعد هناك خشية من الهجوم على الأسواق العالمية.

كما اكد ظهور فرص جديدة في مناطق مثل أفريقيا التي سيبلغ عدد سكانها 2,391 مليار نسمة في سنة 2050 وحيث سيزيد عدد سكان نيجيريا على عدد سكان الولايات المتحدة وستنشأ نماذج أعمال جديدة بفعل نشوء قطاعات أعمال جديدة مثل شريحة “الأقل فقرا” في العالم النامي و” الجيل الفضي” في الاقتصادات المتقدمة والطبقة الوسطى في شتى أنحاء العالم كما سيتغير أسلوب عمل الشركات وكيفية تواصلها مع العملاء بتأثير النمو المستدام والتكنولوجيا الجديدة كالأتمتة و “إنترنت الأشياء”.

ولفت ايضا الى ان أهمية الطاقة والسلع ستظل حاسمة رغم الهبوط الحالي للأسعار وانه لو كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الصين مساويا لنظيره في كوريا الجنوبية فإن حجم اقتصادها سيوازي حجم الاقتصاد الأمريكي والأوروبي مجتمعين.. مشيرا الى ان حصة الصين من الاستهلاك العالمي لغالبية المعادن تقع حتى الان مابين 45 إلى 55 في المائة.

واكد ان العالم سوف يحتاج لموارد إضافية لجميع أنواع السلع من المواد الخام وحتى المواد الغذائية وانه ورغم وفرة مصادر الطاقة إلا أن كلفة الإنتاج الجديد في ازدياد مستمر وفضلا عن ذلك لا ترغب الكثير من الاقتصادات المتقدمة في استغلال مواردها الكامنة مثل النفط والغاز الصخريين لأسباب بيئية حيث تكرر التساؤل نفسه .. ” نمتلك هذه الموارد ولكن هل نريدها الآن..؟ “.

وبين ان جرأة عالم التنافسية الجديد تتطلب تغيير المواقف فالذين يتمتعون بأعلى مستويات الكفاءة ليسوا بالضرورة هم الأكثر تنافسية وان الموقف حيال الأمور هو العامل الحاسم.. مؤكدا ان الأزمات هي فترات تكشف مدى قوة الشخصية وانه ليس المهم فقط هو أن نكون ماهرين فيما نفعله بل يجب أيضا أن نمتلك خصائص التميز.

واضاف ان الرابحين يجب أن يكونوا أقدر على التعامل مع التقلبات والمصاعب وأن يتمتعوا بالطموح من أجل مؤسستهم ومن أجل أنفسهم مشيرا الى ان المرونة والقدرة على التكيف السريع مع التغيير تشكلان أهدافا رئيسة وبالتالي فإن مفتاح النجاح يتمثل في ثلاثة مستويات للتميز الإداري..

وقال انه إلى جانب ذلك يتوجب على الشركات تحفيز الفكر الإبداعي لدى موظفيها لخلق حس المبادرة والالتزام في نفوسهم مستشهدا بمقولة آلبرت أنشتاين.. ” المنطق سيقودك من النقطة أ إلى النقطة ب ولكن المخيلة الإبداعية ستقودك إلى كل مكان”.

واستعرض المحاضر عددا من الاوضاع الاقتصادية في عدد من بلدان اوروبا والامريكتين وبعض دول اسيا خاصة سنغافورة حيث كان الوضع الاقتصادي متصاعدا قبل الازمة المالية عام 2008م.

واشار في هذا الصدد الى خسارة بعض الدول لخمسين مليار دولار بسبب تقلبات اسعار الاسهم والى مغادرة مئات المليارات من الدولارات موطنها دون عودة بسبب تذبدب الاقتصاد بين الصعود والهبوط.

كما اشار الى ان لدى 19 الف شركة في العالم اكثر من الف مليار دولار بينما بلغت ديون بعض الشركات نحو 9 ترليون من الدولارات واضطرار بعض الدول الى طرح اصدارات مالية جديدة وتحقيق 50 شركة امريكية مثل جوجل ومايكروسفت ارباحا بقيمة 50 مليار دولار.

واعتبر ان صورة التنافسية ستتغير في العالم بحلول عام 2050م وان كل شيء يمكن ان يحدث مثل ان تصبح العملة الصينية / اليوان/ عملة رئيسة في العالم وان تفرض بعض الدول ضرائب بطريقة جديدة.. كما تحدث عن الاستحواذ والاندماج بالنسبة لبعض الشركات وعن العودة الى شراء الاسهم.

واكد حاجة بعض الدول الى الاستثمار والحصول على المال ورسملة البنوك وطباعة العملة لحمايتها.. كما دعا الى تقليص الحاجة الى الانفاق مشيرا الى عمليات الشراء للتقليد او ما يسمى اقتصاد الاستبدال كأن يشتري شخص هاتفا اضافيا لأن زميله سبقه في ذلك.

ولفت الى قضايا اخرى مهمة مثل اكتظاظ المدن الكبرى بالسكان الذين ينتقلون من الريف اليها ما يجعل ادارة هذه المدن على المحك.. واشاد في هذا الصدد باهتمام الامارات التي زارها للمرة الاولى عام 1978م ببناء المدن الجديدة.

كما تحدث عن ارتباط كل ذلك بتزايد كلفة الطاقة الكهربائية والتعليم التقني.. مشيرا الى ضرورة التعليم التقني والاستثمار فيه لضمان الوظيفة وليس للحصول على الشهادات العليا.

وركز على اهمية كيفية التصرف والتنبؤ والحذر والعقلية السليمة والالتزام والعزم والاصرار على التطور والتغيير والمنافسة في عالم اليوم شديد التعقيد..لافتا الى ان الاقتصاد العالمي ليس بالسوء الذي يبدو للعيان.

وفي رده على الاسئلة الموجهة في ختام المحاضرة اكد البرفسور ستيفان جاريللي المحاضر بمعهد التنمية الادارية في لوزان.. ان الامارات قطعت شوطا كبيرا في مجال الاستدامة وان الاستقرار والقيادة الحكيمة اللذين تتمتع بهما من العوامل المهمة للتنافسية بين الامم.

كما اكد ان التكنولوجيا والتعليم المهني والطاقة البديلة وترشيد الانفاق والاداء الاقتصادي الجيد المقارن مع الاقتصادات الاخرى من اهم عناصر المستقبل المشرق.. ملاحظا ان الامارات تسير في هذا الاتجاه.

وشدد على عدم وجود وصفة واحدة للتنافسية التي تناسب الجميع.. مشيرا الى ان 59 في المائة من التنافسية تكمن في القدرة على الابداع في عالم اكثر تعقيدا من ذي قبل.

وقال هنا ان الرفاهية ليست جزءا من التنافسية بل هي شيء آخر وان التنافسية امر ليس له نهاية وان الامارات عازمة على الاستمرار في ذلك والاستفادة من الفرص المواتية بفضل قيادتها الرشيدة.

وام