د. فاطمة الصايغ

احتفالاتنا بيومنا الوطني الرابع والأربعين سوف تكون مغايرة. ففي هذا العام تعود ذكرى الثاني من ديسمبر وقد تكرست في نفوس أبناء الاتحاد قيم عدة بعضها عرفها وعركها بمعناها العفوي البسيط والبعض الآخر يتعرف الآن عليها عن قرب بمعناها الواقعي والفعلي.

ذكرى اليوم الوطني هذا العام تتواكب مع ذكرى يوم الشهيد وهو اليوم 30 من نوفمبر، وهو اليوم الذي خصصته الإمارات لذكرى جميع شهدائنا. أعيادنا الوطنية تعود هذا العام ولدا أبناء الإمارات مخزون أكبر من الولاء للوطن والانتماء له والرغبة في التضحية لأجله.

عرف تاريخ الإمارات شهداء ضحوا بأرواحهم في سبيله منذ قيام الاتحاد وتقديم أول شهيد هو سالم سهيل خميس الذي ضرب أروع نماذج البطولة عندما تصدى بسلاحه البسيط لقوة قوامها البطش والجبروت وهو يدافع عن أرضه ووطنه في جزيرة طنب الكبرى وظل مرابطاً يدافع عن أرضه حتى سقط كأول شهيد في تاريخ دولة الإمارات وذلك يوم 30 نوفمبر 1971.

فلا غرو أن يتم اختيار ذلك التاريخ كيوم الشهيد خاصة بعد أن قدمت الإمارات ثلة أخرى من شبابها كشهداء ومدافعين عن قيم المواطنة والانتماء. فقد دخلت الإمارات هذا العام كطرف في التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، هذا التحالف الذي يشن حتى هذه اللحظات حرباً ضروساً في اليمن ضد المتمردين الذين اغتصبوا الشرعية.

احتفالاتنا بيوم الشهيد هذا العام سوف ترسل إشارات قوية ومتعددة للعديد من الأطراف. أولى تلك الإشارات للذين تسول لهم أنفسهم التفكير في خيانة الوطن أو الاعتداء على عرضه أو تهديد القيم الحضارية التي يقوم عليها.

إنها إشارة قوية لكل شخص مقيم على أرض هذه الدولة للمواطن والمقيم بأن دولة الإمارات تدخل الآن عصراً جديداً في تاريخها وتفتح صفحة جديدة مستمدة من تضحيات أبنائها ومن كل قطرة دم أريقت في سبيل عزة والقيم الإيجابية التي قام عليها هذا الوطن.

ثاني تلك الإشارات ما يختص باللحمة الاجتماعية وتوحد الرؤى والمواقف الوطنية بين أبناء الوطن من أقصاه إلى أقصاه قيادة وشعباً، وهذا يفند المزاعم التي قد تظهر بين الفينة والأخرى عن اختلاف المواقف تجاه القضايا المصيرية والكبرى التي تخصنا جميعاً.

فما حدث وحدنا ولم يفرقنا، ووحد مواقفنا ولم يفرقها ووجه بوصلتنا تجاه قضية واحدة وهي أن أمننا من أمن وطننا وأن قضية الأمن القومي لا تتجزأ أبداً.

ثالث تلك الإشارات ما يتعلق بتعميق الولاء والانتماء للوطن بين جيل الشباب بالتحديد، ذلك الجيل الذي لم يحضر البناء الأول للاتحاد ولم يشهد سقوط أول شهيد، ولكنه بالتحديد شهد ارتفاع علم الإمارات عالياً بين الأمم وشهد سقوط ثلة من شباب الإمارات دفاعاً عن قيم الإمارات الحضارية وواجباتها القومية.

هذا الشباب الذي نال حظاً وافراً من رفاه الإمارات ورفاهيتها لم تلهه الحياة بملذاتها المادية عن ولائه لوطنه وانتمائه لها بل عركته الأحداث الأخيرة لتخلق منه شباباً واعياً لدوره في بناء الوطن وواعياً لما تقوم به الإمارات من تضحيات من أجل أمن الإمارات وأمن منطقة الخليج ككل.

أن شهداءنا الذين سقطوا دفاعاً عن مكتسباتنا يقومون يومياً بإرسال إشارات قوية لكل مواطن ومقيم على أرض هذه الدولة، إشارات فخر وتقدير لكل جندي اختط لنفسه مساراً وطنياً يملأنا جميعاً فخراً واعتزازاً بجنودنا البواسل الذين لا يزالون على خط النار، وإشارات لشبابنا بأن الحياة ليست رفاه وملذات بل قيم يجب إعلائها وولاء للوطن يجب إظهاره.

كما أن شهداءنا يرسلون إشارات قوية لكل من تسول له نفسه العبث بأمن الوطن أو خيانته أو التفكير في الاعتداء عليه. تلك هي بعض من الإشارات التي يرسلها شهداؤنا ونستقبلها نحن بكل فخر واعتزاز وتقدير.

إن احتفالاتنا باليوم الوطني ويوم الشهيد هذا العام سوف تظل في ذاكرتنا وذاكرة الأجيال الجديدة لفترة طويلة مقبلة ليس لكونها المرة الأولى التي نخصص فيها يوماً للشهيد ولكن لكونها المرة الأولى التي نحتضن فيها مناسبتين غاليتين على قلوبنا، مناسبتين توحدنا وتثبت تلاحمنا الوطني والاجتماعي وتثبت ولاءنا وحبنا للإمارات.

ولا ننسى في هذه المناسبة أيضاً أسر الشهداء الذين قدموا فلذات أكبادهم فداءً للوطن. ونقول لهم إننا جميعاً معكم نشد على أيديكم ونتذكر معكم أن أغلى شيء لدينا هو الوطن.
– البيان