نفذت روسيا، أمس، انسحاباً جزئياً لقواتها وقاذفاتها الحربية طراز «سوخوي-34» من سوريا، مؤكدة أنها تخطط فقط لإبقاء كتيبتين تضمان ما لا يقل عن 800 جندي لحماية قاعدتيها الجوية في اللاذقية والبحرية في طرطوس، إضافة إلى بعض الطائرات لمتابعة العمليات ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، وأنظمة «إس 400» المضادة للصواريخ لأسباب دفاعية. في وقت شهد اليوم الثاني للمفاوضات السورية غير المباشرة في جنيف، تقديم المعارضة إلى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا وثيقة بشأن حكومة انتقالية تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة.

ونفى الكرملين أن يكون قرار سحب القوات الروسية يستهدف ممارسة الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد. وقال دميتري بيسكوف الناطق الصحفي باسم الرئيس فلاديمير بوتين: «القرار اتخذ اعتماداً على نتائج عمل القوات الروسية، وبوتين توصل إلى استنتاج أنه تم تحقيق المهمات الأساسية المطروحة، ويأمل أن يشكل بدء سحب القوات دافعاً إيجابياً للمفاوضات بين القوى السورية في جنيف».

وكان بوتين بحث الشأن السوري مع الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال مكالمة هاتفية، وقال الكرملين: إن الزعيمين وجها الدعوة لتكثيف عملية التسوية السياسية للصراع. وقال دبلوماسي غربي: «إن بوتين سيركز الآن على محادثات السلام، وسيضغط على الحكومة السورية للتفاوض». وأضاف «لا نعرف إن كان بوتين يتخلى عن الأسد، لكننا نعلم بأن الروس يبعثون برسالة للأسد مفادها أنهم حريصون على المضي قدماً في المفاوضات المتعلقة بالانتقال السياسي».
وعرض التلفزيون الروسي لقطات تظهر أول دفعة من طائرات سوخوي-34 وهي تعود من سوريا وتهبط في قاعدة جوية بجنوب روسيا. واستقبل ما بين 200 و300 من العسكريين والصحفيين والنساء الطيارين العائدين ملوحين بالورود والأعلام الروسية والبالونات الحمراء والبيضاء والزرقاء. وشوهد ستة طيارين على الأقل يرتدون خوذات بيضاء وسترات طيران وهم ينزلون من ثلاث طائرات. وأحاطت بهم الحشود قبل أن تقذفهم عالياً في الهواء، احتفالاً بعودتهم.

وحضر الاستقبال أيضاً ضباط كبار بينهم قائد القوات الجوية فيكتور بونداريف الذي شدد على أن الإرهاب الدولي تكبد خسائر كبيرة بفضل الجيش الروسي. فيما قال مساعد وزير الدفاع الروسي الجنرال نيكولاي بانكوف: إنه من المبكر جداً الحديث عن انتصار على الإرهابيين. وقال: «الطيران الروسي لديه مهمة تقوم على مواصلة الغارات ضد أهداف إرهابية رغم الانسحاب الجزئي»، وأضاف من قاعدة حميميم في اللاذقية «هناك فرصة حقيقية لوضع حد لسنوات من العنف». لافتاً إلى أن القوات الروسية والسورية تمكنت من إلحاق أضرار مهمة بالإرهابيين، وأربكت تنظيمهم وقوضت قدراتهم الاقتصادية.

إلى ذلك، أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنه سيسافر الأسبوع المقبل إلى موسكو لمقابلة بوتين بشأن سوريا. وقال: إن أمام العالم فرصة قد تكون الأفضل لإنهاء الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ خمس سنوات، نظراً للانسحاب الروسي واستئناف محادثات السلام في جنيف. وقال البيت الأبيض: إن الولايات المتحدة تراقب الانسحاب الروسي، لكن من السابق لأوانه تحديد تأثير هذا التحرك على الحرب الأهلية أو على المنطقة بشكل أعم. وقال المتحدث جوش إيرنست: «سنتابع هذا التحرك بالطبع..المؤشرات الأولية هي أن الروس ينفذون، لكن لا يزال من السابق لأوانه في هذه المرحلة تحديد مدى تأثير ذلك على الوضع بشكل أوسع»، وأضاف أن روسيا لم تخطر الولايات المتحدة مسبقاً بقرارها الرحيل عن سوريا.

وشدد البيت الأبيض على أن بلاده تركز على إحداث تقدم في محادثات الانتقال السياسي في سوريا، والروس قالوا نفس الشيء. فيما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: إن بلاده ترى استعداداً من جانب الولايات المتحدة للتأثير على المعارضة السورية في جنيف للمشاركة في المفاوضات وضمان تماسك وقف إطلاق النار في سوريا.
ورحبت فرنسا بحذر بقرار روسيا، واعتبرت أنه لا بد من تشجيع أي خطوة تساهم في تخفيف حدة التوتر، وقال المتحدث باسم الخارجية: «لقد أخذنا علماً بإعلان بوتين. وفي حال ترجم إلى وقائع فسيكون تطوراً إيجابياً..لا بد من تشجيع أي خطوة تساهم في تخفيف التوتر». واعتبر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أن انسحاب الجزء الأكبر من القوات الروسية من سوريا سيزيد الضغط على الأسد للتفاوض أخيراً بجدية في جنيف حول عملية انتقال سياسي تحافظ على استقرار الدولة السورية ومصالح جميع السكان. فيما قالت المتحدثة باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين راي: «إن أي خطوات تساعد في تحقيق تراجع للعنف داخل سوريا وإطالة أمد وقف الأعمال القتالية مهمة للغاية لعملية السلام ككل».
واعتبر مجلس الأمن الدولي الإعلان الروسي عن الانسحاب العسكري من سوريا أمراً إيجابياً. كما رحب ببدء المحادثات غير المباشرة بين النظام السوري والمعارضة في جنيف، وأعربوا عن دعمهم للوسيط الأممي ستيفان دي ميستورا، ودعوا الأطراف المعنية إلى إظهار النيات البناءة في المحادثات التي يفترض أن تستمر حتى 24 مارس. وأعلن دي ميستورا أن الانسحاب الجزئي للقوات الروسية من سوريا يشكل تطوراً مهماً، معرباً عن الأمل في أن يكون له تأثير إيحابي على مفاوضات السلام التي تسعى للوصول إلى حل سياسي وانتقال سلمي.

من جهته، قال سالم المسلط المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة السورية في محادثات جنيف: إن سحب القوات الروسية يمكن أن يساعد في وضع نهاية لدكتاتورية الأسد وجرائمه، وأضاف: إن المعارضة ليست ضد المحادثات المباشرة مع الحكومة السورية، لكن دي ميستورا هو من قرر البدء بمحادثات غير مباشرة. فيما قال المعارض السوري صبرا: «إن المعارضة قدمت إلى دي ميستورا وثيقة بشأن حكومة انتقالية تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة».

وأضاف أن المطلب الرئيسي للمعارضة هو تشكيل حكومة مؤقتة دون وجود الأسد في إطار خريطة طريق ترعاها الأمم المتحدة. وقال: «حرصنا أن تبدأ هذه المفاوضات بمناقشة هيئة الحكم الانتقالي..هيئة الحكم الانتقالي هي ضمانة لكل السوريين بدلا من أن تكون حكومة وحدة وطنية»، وأضاف «حكومة وحدة وطنية هي كالحكومة الحالية عبارة عن وزارات، لكن من يملك توجيههم وتعيينهم هو رأس النظام..هذا غير مقبول لدى السوريين». وقال أحمد فوزي المتحدث باسم الأمم المتحدة: إن إجراء المحادثات بشكل غير مباشر كان قرار دي ميستورا. وأضاف أنه «سيكون سعيداً بترتيب محادثات مباشرة عندما يرى أن الوقت مناسب لها».

الاتحاد