عائشة سلطان
قال لي رجل حكيم كنت أتحدث معه حول التغيير، إن الناس لا يقبلون التغيير من تلقاء أنفسهم، وحتى إن قبلوه مرغمين فإنهم لا يأخذون به دفعة واحدة، يلزمهم بعض الوقت ليرتبوا أمورهم مع المتغيرات الجديدة، ترتيب الأمور لا يحصل دفعة واحدة، إنه يحصل ببطء وبصعوبة ومع شيء من الآلام والتضحيات.
كنا يومها نتحدث عن التغييرات التي تحدث في عالمنا مع بداية سنوات الألفية الثالثة، يوم كانت نبرة الديمقراطية عالية عندما أرادت الولايات المتحدة أن تفرض ما أسمته (دمقرطة الشرق الأوسط) أيام نائب رئيسها الأسبق (ديك تشيني)!
يومها كنت قد التحقت بدراسة الماجستير في جامعة كارديف، وكان أحد الأساتذة قد أشار علي بموضوع البحث على أن يكون حول تجربة الاتحاد الأوروبي، فلم يرق لي الموضوع، وكنت قد أعددت العدة لبحث يجمع بين الإعلام والسياسة يتعلق بـ «ازدواجية المعايير الإعلامية في تغطية الأحداث العسكرية في الشرق الأوسط» على أن تكون قناتا الجزيرة والـ CNN أنموذجين معتمدين للدراسة !
أتذكر أن ذلك الأستاذ سألني يومها عن ذهنية التغيير في العالم العربي، ولماذا يتشبث العقل العربي بالتراث؟ أو لماذا هو عقل غير مرن حسب وصفه ؟ قلت له لقد احتاجت أوروبا قروناً من الصراعات والثورات لتتخلص من الأنظمة الملكية والقيصرية.
واحتاجت قروناً لتتخلى عن نظرية اقتسام السلطة بين الملوك ورجال الكنيسة، واحتاجت حربين عالميتين وملايين الضحايا لتعبر عصر الإمبراطوريات الاستعمارية إلى عصور الحداثة والسلم والهدوء العالمي مخلفة كل ما كان قبله بعد أن ذاقت الخراب في أقصى صوره، ليس العالم العربي وحده من يتشبث بقديمه.
إنها الذهنية الإنسانية عامة التي تألف ما اعتادت عليه فلا تريد الدخول في خضات التجريب واحتمالات الفشل والنجاح، إن على المستوى الفردي أو الجمعي، يأنس الإنسان عادة لما تعود عليه وعرف حسناته وحظي بأرباحه ومكتسباته، وإذن فلماذا يقلب حياته رأساً على عقب؟ قلت له لا تنس أن للتغيير كلفة باهظة عند البعض ليسوا مستعدين لها دائماً !
مع ذلك فالتغيير هو الثابت الوحيد في هذا الكون، بمعنى أنه السنة الثابتة التي مهما وقف الإنسان في وجهها فستحدث لا محالة، في الوقت نفسه فإن التغيير الذي يحدث بحكم ضغط الواقع والضرورة واحتياج الناس يؤتي ثماره لصالح الجميع وإن بعد حين، لكن التغيير الذي يحدث بالإكراه، مثلما حدث حين أراد الغرب فرض الديمقراطية على الشرق الأوسط، فإن النتيجة هي ما نراه من خراب ودمار وملايين اللاجئين الذين يقفون على حدود العالم!
سيقف الناس ضد أي تغيير ليس في صالحهم أو ليس نابعاً عن إرادتهم أو عن طريقهم، لكن للتغيير إرادة وللمجتمعات فلسفة، ومهم أن تتفق الفلسفة مع إرادة الناس ليكون التغيير مقبولاً وإنسانياً ولصالح الأغلبية حتى وإن كان هناك متضررون قليلون!
– البيان