د.احمد عبد العزيز الحداد
مما يسعد الإنسان وقف الأعيان، الذي ينتفع به الإنسان والحيوان، وقد كان من سبق الإسلام وأولوياته، إذْ لم يكن من الشرائع السابقة، فشرعه لما له من نفع عظيم للواقف والموقوف عليه؛ أما الواقف فلما له من أجر جزيل عند الله تعالى، يجري له في الدنيا من بركة في الرزق، وحفظ للنفس والمال، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة، كما ورد.
وفي الآخرة أجر عظيم دائم غير منقطع، ما دام الوقف منتفعاً به، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، وورد في حديث آخر تعدادٌ لبعض ما يكون فيه النفع الدائم، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته»، فإن هذا النفع ما يكاد يسمعه المسلم الموسر حتى يبادر لكسبه وادخاره، كما كان من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذين لم يبقَ أحد منهم ذو مقدرة إلا وقف، وكما فعل أبوطلحة الأنصاري في أحب أمواله إليه «بئر حاء»، التي وقفها في الأقربين، كما أشار إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسار على نهجهم عامة السلف والخلف، حتى قال العلماء: إن الوقف سنة مجمع عليها. وأما نفعها للموقوف عليهم، فإن الوقف يعتبر من أجلِّ المنافع الاجتماعية التي تحقق السعادة للإنسان؛ فمعاقلُ العلم الأولى إنما نشأت من الوقف، ومازال كثير من هذه المعاقل العلمية من جامعات ومدارس ومراكز أبحاث تسير وتدار من الوقف، فكان الوقف سبباً لاستمرارها ودوام نفعها، وجُلُّ العلماء إنما عاشوا على الوقف، فاستطاعوا أن يتفرغوا للعلم بحثاً وتأليفاً وتدريساً وابتكاراً، وجُل طلاب العلم إنما تربوا وتغذوا من الوقف، فاستطاعوا أن يواصلوا التعليم حتى أصبحوا علماء نافعين، وكثير من المرضى إنما تداووا من الوقف، فأسعف حاجاتِهم وخفف من آلامهم، وكثير من الفقراء عاشوا ويعيشون من الوقف، فيغنيهم عن ذل السؤال، والمساجد التي هي أحب البقاع إلى الله والتي بُنيت لإقامة شعائر الله يجتمع فيها من يلبي نداء الله إنما هي أوقاف، والآبار والعيون التي صنعها الخيرون لتكون مصدر سعادة للإنسان والحيوان، هي أوقاف، ودور السكنى ــ الرُّبُط ــ التي تُبنى لطلاب العلم وفقراء المسلمين ولأبناء السبيل والمسافرين فيظلون ويبيتون فيها مطمئنين، هي أوقاف. وهكذا كان الوقف سبباً لإسعاد البشر في كل ميادين حياتهم.. ولما نسي الناس الدور العظيم للوقف في إسعاد الناس، غابت عن كثير منهم أبوابٌ كثيرة من أبواب السعادة التي عاش فيها الأولون، ولابد من رجوع ذلك النبع الصافي، والباب الوافي للسعادة، إلى الصدارة. وها هي دبي تفتح نوافذه وأبوابه للراغبين في الخير، لإسعاد أنفسهم وإسعاد الغير، بمبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله، العالمية لإحياء الوقف «مركز محمد بن راشد العالمي للاستشارات الوقفية»، الذي دشنه أمس بأراضٍ تجارية تبلغ أثمانها مليارات عدة، لتكون دبي ملهمة الإبداع الثقافي والمعرفي والاقتصادي والتميز المؤسسي وغير ذلك، وجدير بها ذلك فإنها لا ترى باباً للخير إلا كانت سباقة إليه، ومشجعة عليه. فللّه درها من بلد مضيء بالخير والنفع، ولله أبوه من شيخ وثَّاب للمعالي، متّعه الله بسابغ عفوه وعافيته، وأمتع به البلاد والعباد.
الامارات اليوم