عائشة سلطان
لم يتوقف الإنسان عن الكتابة منذ أن اخترع القلم والورق والحبر وماكينات الطباعة، يكتب الإنسان كما يتكلم وكما يتنفس، ولو لم يكتب الإنسان لكان شكل العالم مختلفاً، ولاختلت تراتبية الحضارات والدول، ولما كانت هنالك مكتبات واختراعات ونظريات وعباقرة، لما عرفنا شيئاً عن الأمم التي كانت والتي بادت والتي سادت ولما تتبعنا خطوات المختلفين في وديان العبقرية، الكتابة هي من الأفعال النادرة التي أقسم الله بها (نون والقلم وما يسطرون)!
يقال إن القلم هو أول ما خلق الله، وعليه فمن البديهي أن تحظى الكتابة أو التسطير بما تحظى به من مكانة رفيعة عند أمم الأرض المتحضرة، ومن البديهي أيضاً أن يكون إعلاء شأن الكِتاب والكُتّاب من دلائل تحضر الناس والمدن، ولذلك نحتفي اليوم بالقراءة ونجعل لها عاماً خاصاً يليق بعظمتها، ليس ذلك عبثاً أو مراءاة وتظاهراً، لكنه حفر في تلافيف الأدمغة الصغيرة والناشئة، ليستقر في خلاياها قناعة الشغف بالقراءة على أنها البوابة الكبرى والرئيسة لبناء الإنسان الحقيقي المتقدم والقوي.
حين لم يكن لدينا ما نقرأ ـ أتحدث عن مجتمع الإمارات منذ أكثر من سبعين أو ثمانين عاماً ـ كان القادرون والعارفون والمطلعون يحرصون على جلب الكتب من الخارج، من العراق والهند ومصر وغيرها، كانوا يتكلفون على نفقتهم الخاصة إحضار المجلات العربية المعروفة في تلك الأزمنة، صحيح أنها كانت أزمنة فقر وغبار، لكنه الغبار المسكون بشغف القراءة وحب الكتب والتعلم، لقد كانت أزمنتنا تلك معبأة بأحلام عظيمة فعلاً!
كنت أسمع في محيط أسرتي عن أناس يكتبون المكاتيب أو الرسائل التي تذهب للأبناء والأزواج الذين التهمهم غياب البحث عن الرزق في بلاد بعيدة، ذات يوم كتبت امرأة رسالة لرجل صالح يسكن في جبال شاهقة في مدينة بعيدة عن هنا، وقد ذهب أبي وأمي إلى ذلك الرجل في حاجة.
فأرسلت له معهما مكتوباً، قالت أمي إنهم أوصلوه له وأنه قرأه وفهم حاجة المرأة، وإن طلبها أجيب في لحظتها، تساءلت يومها ماذا لو أن تلك المرأة لم تجد من يكتب لها؟ أو لو أن من كتب لها استغل حاجتها وجهلها ولم يكتب ما أرادت؟
للكتابة أخلاق صارمة يعيها صاحبها، نحن اليوم في زمن الوفرة، وفرة كل شيء، وفرة المدارس والكتب والورق والكتاب، لكن ما الذي يكتب طيلة اليوم وطيلة الشهر والسنة؟ ماذا ننتج من كتابة بإزاء هذه الجوائز العظيمة وهذا الرصد المالي والإمكانات البشرية؟ أطالع ما ننتجه من روايات وكتب فلا أجده يوازي تلك العظمة التي كانت، لا أجد أثراً لتولستوي ولا ديكنز ولا دافينشي ولا كافكا ولا نجيب محفوظ ولا البياتي والجواهري وناظم حكمت وشكسبير.
لا أجد كتاباً عظماء يتناسلون من بين أصابع الأيام ولا قراء عظاماً يتواجدون في ممرات المكتبات بالشغف الذي كان. لا أجد أثراً للعظمة هل لأنه لم يعد للعظمة مكان أم لأن العظمة على مقاس أهل الزمان؟
– البيان