عائشة سلطان

نصحو كل صباح مذكرين أنفسنا بوعد قطعناه ليلة البارحة قبل أن نسلم أرواحنا وأجسادنا لقبضة النوم والأحلام: أن نكون مستبشرين وأكثر تفاؤلاً في اليوم التالي، كتلاميذ صغار نتلو طقوس التوبة أمام نظرات المعلمة وسطوة الوالدين بأن لا نكرر حماقاتنا المعتادة، من ثم نرتدي ثيابنا وأقنعتنا، نتلو دعاء الخروج ونغادر، في الطريق للعمل نفتش عن إذاعة ما بحثاً عن الأخبار والأغنيات وبرامج الطاقة الإيجابية، لماذا؟ هل ستزيدنا الأخبار تفاؤلاً؟ والأغنيات الساذجة؛ لماذا نصر على سماعها ثم نشتم من يغنيها؟ وبرامج الطاقة الإيجابية لا أدري لماذا تذكرني بكتب تعلم الإيطالية بدون معلم في عشرة أيام!!

نكمل الطريق بينما لا يكف رأسنا عن إنتاج أفكاره وحواراته، وفي المساء نتناول عشاءً دسماً في وقت متأخر، بالرغم من أننا اجتهدنا أن نبدو مقنعين ونحن نحدث أصدقاءنا خلال النهار عن مضار العشاء المتأخر على الصحة، نحن ننسى كعادتنا.. ذلك أمر يحدث كل يوم!

وكعادتنا التي ننساها كل يوم نعد أنفسنا أن نبدأ نظاماً غذائياً مطلع الأسبوع القادم، ونباشر المشي في ممشى الحديقة القريبة، بعد أن جربنا الانضمام لصالات الرياضة ولم نلتزم بها سوى عشرة أيام لكسلنا المزمن لا أكثر!

وكعادتنا مساء نقلب محطات التلفزيون، نبحث عن أفلام رومانسية تتحدث عن العائلة والعشاق والأصدقاء، أفلام ناعمة ولطيفة، لا شيء من ذلك؛ معظم الأفلام المعروضة يتفنن مخرجوها في إعلاء قيم العنف والقتل والسادية لدى بشر، يمتصون الدماء ويتلذذون بالتعذيب، الأكثر سأماً هي أفلام حرب النجوم والكائنات الفضائية التي تغزو الأرض وتدمرها.

حين تصاب بالملل توقن أن لا حل إلا بالذهاب لتويتر أو الفيسبوك، تقول سأتسلى قليلاً وأتواصل مع الأصدقاء، وأرى ماذا يحصل حولي وماذا يحدث في العالم، وكأن العالم مهتم بك أو بما تعرفه عنه، العالم منطلق في مساره كنجم ينزلق من مجرة هائلة ولا مجال لإيقاف انزلاقه، عليك أن تبتعد عنه وأن تقترب من نفسك، لا تفكر في داعش والحروب وصراعات الدول الكبرى وأسعار النفط و..، من الأفضل أن تفكر كيف تحصل على ذلك الكتاب الممتع الذي كنت تبحث عنه منذ مدة فتشتريه وتعكف على قراءته بمتعة، وأن تتصل بصديق لم تحدثه منذ زمن بسبب فكرة الواتس اب السقيمة ثم تدعوه على فنجان قهوة وكثير من الثرثرة الحميمة!

في الحياة أشياء كثيرة جداً تستحق أن تُرى وأن تعاش وأن نسعى لها، وإن هذه الفرصة الرائعة التي منحت لنا كي نأتي للحياة بشكل سليم ومعافى هي أمر يستحق الشكر والابتهاج، وإن تمضية الحياة في البحث عن المعرفة والقراءة والعمل الحقيقي الذي نحب، والارتباط بأشخاص نحبهم ويحبوننا بلا شروط مسبقة وبلا خوف يجعلنا أكثر تصالحاً وأقل عرضة للأمراض والكوابيس!

البيان