فرضت وحدات من القوات الشرعية، المدربة من قبل التحالف العربي، سيطرتها الكاملة على مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، جنوب شرق اليمن، عقب طرد عناصر تنظيم القاعدة الذي سيطر على المدينة على مدى عام و22 يوماً. وانتشرت وحدات الجيش في أنحاء متفرقة من المكلا، وتمركزت في مطار الريان وميناء الضبة النفطي وميناء المكلا الرئيس ومعسكرات ومواقع متفرقة من المدينة، وشرعت بإجراءات أمنية مشددة لتأمينها من بقايا العناصر الإرهابية التي فرت باتجاه مناطق تابعة لمحافظة شبوة المحاذية لمحافظة حضرموت من الجهة الغربية. وساهمت قوات التحالف العربي، على رأسها الإمارات والسعودية، في تدريب قوة عسكرية خلال الأشهر الماضية، وإعدادها وتجهيزها بشكل متكامل للبدء بعمليات عسكرية ميدانية تحت غطاء جوي مكثف من قبل مقاتلات التحالف التي شنت غارات مكثفة على تمركز عناصر القاعدة.
وتعد المكلا عاصمة حضرموت من المعاقل الرئيسة للتنظيم، الذي أعلن سيطرته في مطلع أبريل 2015، وشرع في إدارة أعمال المدينة، مستغلاً انقلاب المتمردين الحوثيين والمخلوع علي عبدالله صالح على السلطة، وعمل على توسيع نشاطه على طول الخط الساحلي الواصل من مدينة عدن وحتى أطراف المهرة. وتمكنت قوات الجيش الساعة السابعة والنصف من مساء الأحد من تحرير المكلا، وإنهاء معركة تطهير المدينة والمدن الأخرى الواقعة على الشريط الساحلي في حضرموت من سيطرة التنظيم، على الرغم من محاولة العوائق والحواجز المفخخة التي تم وضعها أمام تقدم القوات، إلا أن الجيش وبمساندة من مقاتلات التحالف واصل تقدمه وحقق انتصاراً كبيراً في معركة القضاء على الإرهاب.
وسادت فرحة عارمة في صفوف أهالي مدينة المكلا والمناطق الساحلية مع الساعات الأولى ليوم أمس، في ظل انتشار قوات الجيش الشرعي التي تمكنت من تحرير المدينة من التنظيمات الإرهابية، حيث شهدت شوارع المدينة حركة طبيعية للمركبات والأهالي في الأسواق العامة. وقال المواطن عبدالرحمن أحمد، إن الأهالي استقبلوا أفراد الجنود بفرحة كبيرة، وقام السكان بالترحيب بهذه القوات التي خلصت المدينة من حكم «القاعدة» البائد، مضيفاً: «الحياة تسير بشكل طبيعي في عموم مناطق وأحياء المكلا والشحر والمناطق الساحلية الأخرى، وأن العناصر المسلحة التي كانت تجول سابقاً اختفت مع دخول الجيش للمدينة».
وعثر مواطنون من أبناء مدينة المكلا على جثث مدنيين في مواقع كان تنظيم القاعدة يستخدمها سجوناً ومعتقلات، وكانت الجثث التي تم العثور عليها مقيدة من الخلف وعليها آثار إطلاق نار. وقال مصدر محلي في المدينة: إنه تم العثور على جثث أشخاص قتلوا على ما يبدو قبل ساعات من انسحاب «القاعدة» من المكلا في محيط منطقة الضيافة بالقصر الجمهوري بالمكلا، وهذه الجثث مقيدة بشكل يدل على أنهم أسرى كانوا لدى التنظيم، وتمت تصفيتهم قبل الانسحاب، ويجري حالياً التحقيق لمعرفة هوية الأشخاص.
من جهة أخرى، كشفت مصادر عسكرية عن قيام التنظيم بإطلاق سراح اللواء الركن منصور صالح الحنشي نائب مدير مكتب الرئيس اليمني الذي تم اختطافه قبل أشهر واقتياده إلى المكلا. وأضافت المصادر أن «القاعدة» أخلت سبيل اللواء الحنشي من المكلا قبيل انسحابها، مضيفاً أن هناك معتقلين كثيرين في سجون «القاعدة» تم إطلاق سراحهم مع الحملة العسكرية التي أفضت لتحرير المدينة من هذه العناصر الإجرامية.
من جهة أخرى، أعلنت قيادة أركان المنطق العسكرية الثانية في حضرموت، حظر التجول في مدينة المكلا ابتداءً من الساعة 6 مساء حتى الـ6 صباحاً، وذلك ضمن الخطوات الأمنية لتأمين المدينة التي تم تحريرها من التنظيمات الإرهابية.
بدوره، قال محافظ حضرموت اللواء أحمد بن بريك: إن عدد الشهداء الذين سقطوا جراء القصف الجوي لطيران التحالف بلغ 9، فيما بلغ عدد الجرحى 72، وجميعهم من أبناء حضرموت، وفي مقدمتهم الشاعر أحمد باوبار الحيقي، وعبود غيثان الشعملي، وتوفيق محمد البحسني، وعمر الجويد باقديم، وسليمان عمر بارشيد، وعمر سعيد باكوينه، وثلاثة أشخاص آخرين لم يتم التعرف إليهم.
وقال محافظ حضرموت: إن مدينة المكلا ستستقبل عدداً من البواخر ستصل تباعاً للمدينة، منها باخرة فيها مولدات كهربائية، وأخرى تحمل على متنها أدوية وسلالاً غذائية وبعض الاحتياجات المقدمة من «الهلال الأحمر» الإماراتية، موجهاً بشكل عاجل كلاً من مدير النفط ومدير الكهرباء بسرعة إدخال باخرة المازوت إلى ميناء المكلا لتزويد محطات الكهرباء من المازوت لاستمرار الكهرباء في مدينة المكلا. وقدر محافظ حضرموت عالياً موقف أهالي حضرموت على ما قدموه من حسن ترحيب بقوة النخبة العسكرية الحضرمية، كما أكد أن جميع الشهداء من أبناء حضرموت ومن أبناء القادة العسكريين الحضارم في جيش البادية السابق، شاكراً أبناء حضرموت على تثبيت الأمن والاستقرار. وأكد أن قوة النخبة العسكرية الحضرمية قامت بتحرير جميع مديريات ساحل حضرموت باستثناء حجر وشبوة والسوط، وبين أن دور قوة النخبة الحضرمية الآن يتمثل في تثبيت الأمن وحماية حدود حضرموت من تسرب القاعدة والوافدين لها من خارجها، مطالباً عقال الحارات إلى القيام بدورهم في الدعوة للتكاتف بين الجميع لحماية المنشآت العامة والخاصة.
وأكد قائد لواء الريان قائد عمليات الجيش، العميد عوض سالمين، أن الدعم العسكري المقدم من قوات التحالف، خصوصاً الإمارات أسهم بشكل كبير في عملية تحرير المكلا من العناصر الإرهابية التي عاثت فساداً في الأرض، مضيفاً: «دخولنا وسيطرتنا على ساحل حضرموت يأتيان لأسباب عدة، أولها أن القوات دخلت من ثلاثة محاور بدءاً من طريق القبلية إلى الحرشيات، وطريق الدواس عبدالله باغريب، وطريق وادي نحب إلى الشحر المحروسة، وعملت قوات الجيش على تطويق المدينة بشكل كامل وإفشال أي محاولة التفاف من التنظيم». وأشار إلى أن عزيمة الجيش وأبناء حضرموت وصبرهم كان لهما دور أيضاً في التهيئة للمعركة الفاصلة والانتصار المحقق، مضيفاً أن الإسناد الدولي والاستباقي لطيران التحالف الذي نفذ قرابة 100 غارة جوية كان أيضاً شريكاً فاعلاً في الانتصار على هذا التنظيم الذي فرت عناصره إلى مناطق ناحية شبوة، مضيفاً: «ليس هناك حاضنة شعبية للقاعدة بحضرموت، وهذا ساعد كثيراً في التقدم والتحرر بعد أكثر من عام على سيطرة التنظيم على هذه المدينة».
ونوه بأن هناك حالة من «الهستيريا» أصيبت بها الجماعات المسلحة عقب دخول المكلا، وأنه يجري حالياً في المدينة تأمين المنشآت الحيوية مثل المطار والميناء التجاري والنفطي والقطاعات الاقتصادية والحيوية بتعاون مع لجان شعبية أهلية، وأن عملية تأمين المدينة سوف تتواصل حتى إعادة الأمن والاستقرار للمدينة.
وقال العميد سالمين: يجري تمشيط المدينة وملاحقة العناصر الإرهابية من قبل قوات الجيش، ونهيب بالمواطنين في هذه المدينة الباسلة، المساعدة في تثبيت الأمن، والكشف عن العناصر المخفية للإرهابيين، وندعو أفراد المقاومة للانتشار في النقاط الأمنية والأحياء السكنية.
عادت الحركة التجارية إلى ميناء المكلا، بعد 24 ساعة من تحرير المدينة من سيطرة تنظيم القاعدة، الذي سخر كل موارد الميناء لصالحه وللأعمال الإرهابية التي ينفذها منذ أكثر من عام على دخوله المكلا والتمركز فيها. وتولت قوات الجيش الشرعي التي حررت المدينة، مسؤولية حماية وتأمين الميناء، من أجل استئناف نشاطه التجاري الطبيعي، في ظل الخطوات الأمنية الرامية لتأمين المدينة واستتباب الأوضاع فيها. وأكدت القيادات العسكرية التي وصلت للميناء أن قوات الجيش ستعمل على تأمين الميناء وحماية هذه المنشأة الاقتصادية المهمة والمنشآت الحيوية المهمة المجاور للميناء، من أجل إدارة شؤونها وإجراءاتها القانونية الروتينية المتبعة.
وتمركزت القوات العسكرية على الفور في مواقعها لحماية الميناء، والمشروع الرابع السمكي، وكنترول ميناء المكلا، ومنشآت شركة النفط اليمنية بحضرموت، ومحطة الكهرباء بمنطقة خلف. واستمعت القيادات العسكرية من المسؤولين بميناء المكلا وغرفة تجارة وصناعة حضرموت إلى طبيعة عمل الميناء وضرورة استمرار العمل الملاحي، من أجل ضمان استقرار التموين الغذائي والنفطي لمحافظة حضرموت وما جاورها، معربين عن شكرهم وامتنانهم لقائد القوة العسكرية، لما قام به من ترتيب حراسات لحماية وتأمين الميناء والمرافق الحكومية المجاورة له.
وأكد العقيد سليمان غانم بن حيدرة أن قوات النخبة الحضرمية استلمت ميناء المكلا من قبل أهالي المنطقة، وتولت حراسته بعد انسحاب تنظيم القاعدة منه، مطمئناً المواطنين بأن الأمور تحت السيطرة، وسيتم تأمين كل المنشآت الحكومية المهمة، ومنع تعرضها لأي نهب أو فوضى. وأشار العقيد بن غانم إلى أن هذا اليوم تاريخي بالنسبة لحضرموت التي اكتوت لسنوات بنيران النهب والتهميش والإقصاء، وجاء الوقت ليقودها أبناؤها، ويسعون لحمايتها والحفاظ عليها، بفضل المولى سبحانه وتعالى، الذي منّ علينا بهذا النصر العظيم، داعياً كل أهالي حضرموت للالتفاف حول القيادة الحكيمة للحفاظ على هذا المكسب التاريخي وتأمين المحافظة، وتقدم بالشكر لما قدمه الأهالي من حفاوة الاستقبال وحسن المعاملة. وعاود ميناء المكلا نشاطه الملاحي والتجاري بشكل طبيعي، حيث باشر عمال الشحن والتفريغ بالميناء تفريغ (9,500) طن من باخرة القمح الأوكرانية الراسية برصيف رقم (2)، ويتوقع رسو باخرة الفحم الحجري بالرصيف رقم (1)، وتوجد ناقلة مشتقات نفطية في البويا العائمة، وتضخ شحنتها إلى خزانات شركة النفط اليمنية، وسوف ترسو البواخر الموجودة قبالة مدينة المكلا في رصيف الميناء تباعاً، وفقاً لجدول وصولها.
الاتحاد