عائشة سلطان
قرأت آخر أعمال الكاتب التشيكي الأصل ميلان كونديرا “حفلة التفاهة”، فلم أستطع استساغة الرواية ولم أكملها، ففكرتها معقدة وترجمتها لم تكن جيدة، وحين زرت براغ للمرة الثانية منذ مدة، تصادف سكني في فندق يحتفي بالكتاب التشيكيين الكبار، فقد قرأت على غرفة الاجتماعات “قاعة ميلان كونديرا”، وعلى الجانب الأيسر للباب المقابل لغرفتي قرأت اسم “فرانز كافكا”، وحين خرجت للشارع أبحث عن مقهى دخلت بالمصادفة إلى واحد يحمل اسم “كافكا كافيه” في الساحة الرئيسية، عندها فكرت أن الأشياء لا تحدث بالمصادفة أبداً، وأن علي أن أقرأ شيئاً لهؤلاء الكبار!
بعد أن عدت إلى دبي، تذكرت “حفلة التفاهة” واجتهدت في إكمالها برغم صعوبة فكرتها التي تدور حول: التفاهة في مقابل وجودنا الإنساني، أو التفاهة كمعادل لكل ما يحيط بنا، لكنني أنهيتها وحققت نقطة لصالحي، بعدها استغرقت في طرح الكثير من الأسئلة حول الرواية لأنها تزرعك بالأسئلة فعلاً!
ما أشعل أسئلتي حفلة التفاهة الفعلية المقامة على امتداد جغرافيا الشرق الأوسط، ثم أحاديث واهتمامات الكثير من الناس حولنا، والتي تبدو بلا معنى وخالية من المضمون، تذكرك بفقاعات الصابون التي ينفخها ذاك المهرج في ساحة براغ محدثاً حالة من البهجة الزائلة في نفوس الأطفال والناس الذين يلاحقون الفقاعات بلا هدف حقيقي، سوى أن قوس قزح يبدو مغرياً وهو يتكون على سطحها!
ميلان كونديرا يؤمن أن التفاهة تحصد أرواح الناس، فهذه الحروب، والمجازر والدمار، لأي شيء تستمر، ولأي هدف تُدعم وتُقوّى بوساطة قوى كبرى؟، هذه الأفكار التي تفرض على البعض، هذه البرامج التي يدعوننا لأن نعجب بها، هؤلاء النجوم الذين يدفعنا الإعلام للتسليم بنجوميتهم، هذه الكتب ومظاهر التاريخ التي علينا أن ننظر إليها بتبجيل، ألا يمكن أن تجعل الشباب يفقدون الأمل في كل شيء ويزدرون كل شيء ويذهبون للتفاهة؟
ستالين الرهيب، يحكي قصة غرائبية عن نفسه وعن قدراته الخارقة لمجموعة من كبار رجال الدولة، يريد إضحاكهم لا أكثر، لكنهم لا يفعلون، يصمتون ويضمرون له الكراهية والاحتقار، وهناك في دورة المياه يتصايحون ويسخرون منه ومن حكايته، بينما يتلصص هو عليهم ويضحك من غبائهم وجبنهم، يا للأوغاد حتى روح الفكاهة لا تمتلكونها!
العجوز الخمسيني في الرواية يطلق النار على أنف تمثال الملكة الفرنسيّة “ماري دوميديسي” ويكسره، إهانة عميقة لتاريخ فرنسا يختزلها هذا الفعل الذي قام به العجوز في حديقة اللوكسمبورغ أشهر حدائق باريس، لكن كونديرا يريد أن يقول إن التاريخ ليس له قيمة طالما لم يعد يعنيني أو يفيدني في شيء، هل خطر ببالنا أن كثيراً من أبنائنا يمكن أن يفكروا مثل ميلان كونديرا وهم يمعنون في كثير من أحاديثهم واهتماماتهم عديمة الجدوى؟
البيان