أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله أن الموروث الحضاري والثقافي لدولة الإمارات يشكل ركيزة رئيسة من ركائز قاعدة انطلاقنا نحو المستقبل نستمد منه الدروس والعبر ونستلهم من محتواه الفكر الخلاق والنهج المبدع في العمل بأسلوب نحقق به طموحات شعب اختار أن يكون التميز عنوان إنجازاته وعقد العزم أن تكون سعادة الناس هي أهم ثمرة يجنيها من وراء تلك الإنجازات.
وشدد سموه على أهمية الحفاظ على مكونات هذا الموروث الثري وصونها وتوثيقها باتباع أحدث الأساليب العلمية، لافتا سموه إلى ضرورة تعميق روابط الأجيال الجديدة بتاريخ دولة الإمارات الذي تمتد شواهده في مختلف ربوعها.
وقال سموه “التاريخ حافل بالدروس والعبر. ومن يحسن قراءته، يملك زمام العبور إلى المستقبل. نريد لشبابنا أن يكون قارئا لتاريخه ومدركا لأمجاده وملما بأحدث العلوم في مختلف المجالات لنبني بسواعدهم صروحا تضمن للإمارات مكانتها الرائدة بين الشعوب”.
وأضاف سموه “بعمق الجذور ورسوخها، تكون قدرة الأشجار على النمو والبقاء حتى وإن اشتدت بها الريح. وهذا ما نريده لشبابنا أن يكونوا دائما أصحاب هامات عالية تربطهم بجذورهم أخلاق وقيم وتقاليد تحفظ عليهم وحدتهم وتمنحهم القوة والقدرة على الوصول بالوطن إلى أرقى المراتب وأرفعها”.
وأشار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى أن وعي الشباب بتاريخ الإمارات يعزز من انتمائه لأرضه ويمنحه الحافز على مواصلة مجد الأجداد. وقال سموه “نعمل اليوم على بناء حضارة ستكون غدا ميراثا لأجيال قادمة. نؤهل شبابنا لبناء صروح معرفية وإبداعية يضيفون بها فصولا مضيئة ليس فقط لتاريخ الإمارات ولكن لمسيرة التطور الإنساني عموما”.
وتطرق سموه إلى دور التعليم في تعزيز صلة الأجيال الجديدة بتاريخهم وجذورهم، منوها بأن تعميق ارتباط الشباب بالوطن وتاريخه وثقافته عماد مهم من أعمدة بناء المستقبل. وقال سموه “نريد لشبابنا أن يكونوا دائما مستوعبين لتاريخهم مواكبين لحاضرهم ومستشرفين لمستقبلهم ..وهذا مطلب لا يكتمل إلا بالاطلاع والقراءة والبحث في دروب المعرفة التي وفرنا سبل الوصول إليها ..فقد شيدنا الجامعات واستقطبنا أفضلها على مستوى العالم وأطلقنا مبادرات التنمية المعرفية وأوجدنا الكيانات المؤسسية الداعمة لها ..فالمعرفة هي المدد الذي نبني به صروح المستقبل”.
جاء ذلك خلال حضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم -يرافقه سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي- جلسة بعنوان “ساروق الحديد” نظمها نادي دبي للصحافة ضمن المجلس الرمضاني في قصر البحر واستضافت الباحث والكاتب الدكتور عيد اليحيى صاحب برنامج على “خطى العرب” على قناة العربية والذي تحدث حول قيمة وأهمية الموقع الأثري الذي يعود الفضل في اكتشافه لصاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي قبل نحو أربعة عشر عاما وتحديدا في العام 2002 أثناء إحدى جولات سموه في تلك المنطقة.
حضر الجلسة سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم رئيس هيئة الطيران المدني في دبي الرئيس الأعلى لمجموعة طيران الإمارات وسمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وسمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم وسعادة منى غانم المري المدير العام للمكتب الإعلامي لحكومة دبي رئيسة نادي دبي للصحافة وعدد من أصحاب المعالي الوزراء ومدراء الدوائر والهيئات الحكومية ولفيف من القيادات الإعلامية والثقافية والأكاديمية في الدولة.
وخلال المحاضرة، تحدث اليحيى حول القيمة التاريخية للموقع الذي يعد من أهم المواقع الأثرية في شبه الجزيرة العربية على وجه العموم لما يحتويه من آثار تظهر التنوع الحضاري لسكان المنطقة قبل آلاف السنين من خلال المكتشفات التي عثر عليها في الموقع كالذهب ومنتجات عمليات التعدين والأواني والأدوات إضافة إلى مجموعة من الجرار الفخارية المميزة.
وثمن الدكتور اليحيى ارتباط دولة الإمارات بجذورها وموروثها التاريخي وهو ما يظهر جليا في استلهام فكرة شعار “إكسبو 2020” أكبر معارض العالم وأعرقها تاريخا والذي تعد استضافته في دبي مطلع العقد المقبل من أهم الإنجازات المعاصرة لدولة الإمارات واستيحاء تصميمه من إحدى المشغولات الذهبية التي عثر عليها خلال عمليات التنقيب في موقع “ساروق الحديد” في إشارة إلى ربط الحاضر بالماضي والمستقبل بصورة ترسخ عراقة شعب الإمارات وتبرز معدنه الأصيل وتؤكد أن هذا الشعب قادر على صنع انجازات غير تقليدية يفسح لنفسه بها مكانة رفيعة مستحقة بين شعوب العالم الأكثر تقدما وتمنحه سبق الريادة في مختلف المجالات.
وقال اليحيى إن شعار “إكسبو” أعاد إلى الأذهان واحدا من أهم المواقع الأثرية في منطقة الخليج العربي ما أثار فضوله حيث توجه إلى دبي حيث قام بزيارة موقع “ساروق الحديد” والذي وجد فيه غنى جيولوجيا وبيئيا فريدا فبدأ في الربط بين المكتشفات الأثرية وطبيعة المنطقة وملامحها التي كشفت بدورها عن قصص ومعلومات حضارية وتاريخية مجهولة عن منطقة الخليج العربي وأهلها الذين خلدوا في مواقعهم التاريخية قصصهم وحياتهم وقصائدهم وادواتهم ومجريات العصور التي عاشوا فيها.
وتطرق المحاضر في حديثه إلى عدد من المحاور التي استعرض فيها علاقة الحضارات والروابط الظاهرة والخفية فيما بينها وتناول في حديثه القيمة الحضارية لموقع “ساروق الحديد” والدلالات التي تشير إليها المكتشفات الأثرية التي تم العثور عليها في الموقع وعلاقته بالمواقع التاريخية الأخرى في مختلف أنحاء الدولة والتي توضح أن الإمارات كانت على مر تاريخها ومنذ حقبة مبكرة من التاريخ الإنساني حلقة وصل للشعوب وأن أهلها في تلك الحقبة كانوا حريصين على مد جسور التواصل مع حضارات المنطقة.
وعرج الباحث السعودي خلال الجلسة على القيمة التي طالما حملتها دبي للعالم كمركز تجاري محوري منذ فترات متقدمة في تاريخها حيث كانت سوقا مركزيا للسلع والبضائع لاسيما الذهب الذي اشتهرت بتجارته. وقال إنه على الرغم من أن حضارة “ساروق الحديد” تراوح الأربعة آلاف سنة إلا أن هناك العديد من المؤرخين تحدثوا عن دبي وحضارتها التي تعود لأكثر من عشرة آلاف سنة، معربا عن قناعته أن هذا ما ستؤكده المكتشفات الجديدة في موقع ساروق الحديد.
وقال الدكتور اليحيى إن دبي اليوم هي من أفضل وأزهى مدن المنطقة وأكثرها نموا وأسرعها تطورا بكرم من الله عز وجل وبفضل رؤية وحكمة قيادتها الرشيدة، إضافة إلى موقعها الجغرافي المهم المدعوم بتاريخ حضاري وإنساني عريق شارك مع حضارات الجزيرة العربية في بناء وتقدم الحضارات القديمة في بلاد الشرق الأوسط القديم، مشيرا إلى أن هذا الموقع المميز يضاف إليه أنه جزء لا يتجزأ من جزيرة العرب التي لا تنفصل أقاليمها عن بعضها البعض وشكلت مجتمعة مهد الحضارات وملتقى طرق التجارة العالمية.
وأضاف اليحيى أن حجم المكتشفات وطبيعة موقع “ساروق الحديد” والملامح الحضارية التي تضمنها تقوده إلى الاعتقاد بأن هذا الموقع ربما كان جزءا من حضارة “ماجان” العظيمة التي تحدث عنها المؤرخون وحول بعض ملامحها التاريخية غير المكتشفة حتى الآن، معربا عن قناعته بأن حضارة “ساروق الحديد” تفاعلت مع حضارات أخرى في المنطقة كونها أرض التجارة والذهب قديما وحديثا إذ إن هناك ثمة دلائل على ترابطها مع حضارات سبأ ومعين وكندة والثمودية وتيماء وغيرها من الحضارات التي ازدهرت في هذا الجزء من العالم قديما.
وعرض الباحث خلال حديثه لما أورده بعض المؤرخين حول دبي في كتاباتهم وتناول ما ذكره عنها المؤرخ والفيلسوف الأغريقي اجاثرخيدس عندما قال: “إن في جزيرة العرب مكان يكثر فيه الذهب وأهلها ينقسمون إلى قسمين مزارعين ورعاة”، واصفا إياهم بأنهم أهل كرم وضيافة.
واعتبر الكاتب السعودي الدكتور عيد اليحيى أن المكتشفات الأثرية في موقع “ساروق الحديد” لا يوجد لها مثيل في منطقة شبه الجزيرة العربية وربما على مستوى العالم. وقال إن هذه القناعة يعززها أن ما عثر عليه حتى الآن هو نسبة بسيطة مما يعتقد وجوده فيه من كنوز تاريخية ربما تكشف عنه أعمال التنقيب في المستقبل.
ويعتبر الدكتور عيد اليحيى باحثا وكاتبا سعوديا يعد ويقدم البرنامج الشهير “على خطى العرب” الذي يعرض على قناة “العربية”. قاد اليحيى فريقه لمئات الكيلومترات وسط رمال الربع الخالي ليستدل على أطلال الشعراء العرب وأصحاب المعلقات وبعض شعراء العصر الإسلامي.
وحصل اليحيى على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والماجستير في العلوم الدبلوماسية من جامعة ويستمنستر الانجليزية. كما حصل على الدكتوراه من جامعة إكستر في العلوم السياسية. ويعمل حاليا في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وكباحث غير متفرغ في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
يعد اليحيى من أوائل الباحثين العرب الذين استطاعوا كشف جانب من خفايا تاريخ شبه جزيرة العرب لاسيما المندثرة منها تحت الأرض بهدف عرض التاريخ الحضاري والثقافي الكبير للمنطقة إذ أوضح اليحيى أن الدولة الحقيقية تقوم على ثلاثة عناصر: ثقافية وتربوية وفنية والتي يؤدي تطبيقها العملي إلى مفهوم السعادة الوطنية التي تجعل أفراد المجتمع إيجابيين تجاه وطنهم ولغتهم وتاريخهم.
وشارك اليحيى في عدة مؤتمرات عالمية في مجال الحوار والسلام والدعوة إلى التعارف الثقافي بين المجتمعات والشعوب. وله العديد من المؤلفات منها كتاب “الرحالة في الجزيرة العربية: المكتشفون البريطانيون في المملكة العربية السعودية” و”أصوات الجزيرة العربية في عيون أعظم الرحالة” و”أنغام الجزيرة العربية” و”الوسطية في المملكة العربية السعودية”.
الاتحاد