أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن دولة الإمارات ماضية في تحقيق أهدافها على صعيد تكامل كافة القطاعات الاقتصادية وتفعيل طاقاتها القصوى لرفد الاقتصاد الوطني خلال السنوات القادمة.
وقال سموه:” التنمية المستدامة تعني تفعيل جميع قطاعات الاقتصاد وهذا يتطلب تهيئة المناخ المناسب باستشراف المستقبل والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط… ولتحقيق هذه المهمة يجب التركيز على مجالات المعرفة والعلوم والبحث العلمي.. فهي مدخل التطور والطفرة الصناعية للاقتصاد العالمي”.
وأضاف سموه: “الاقتصاد السليم هو الاقتصاد المتكامل المتنوّع الذي يقوم على الإبداع والابتكار، فالدول تُعرف بما تصنع، وبما تقدمه للبشرية من منتجات وخدمات وبما تضيفه من مفاهيم جديدة على خارطة الاقتصاد العالمي، ودولتنا حققت الكثير في هذا المجال ولدينا من الإنجازات ما يحفظ ريادتها ورفعتها بين دول العالم الأكثر تقدماً”.
وتابع سموه: “أطلقنا اليوم استراتيجية دبي الصناعية وهي دليل على نضج البنى التحتية والخدمات اللوجستية في دولة الإمارات بمستويات ومعايير عالمية، وهذه الاستراتيجية توضح مدى الثقة بما نملكه من معارف وعلوم وما تمتاز به دولتنا من مكانة عالمية فريدة؛ فالإنتاج يحتاج قبل كل شيء إلى الثقة بالذات، وهذه إحدى أهم سمات مجتمعات المعرفة. هدفنا أن تكون دولة الإمارات منصة عالمية للصناعات المبتكرة وأن تكون الوجهة المفضلة للشركات العالمية التي تبحث عن بيئة متكاملة وملائمة للنمو والاستدامة”.
وأضاف سموه: “طموحنا أن تكون دولتنا رائدة عالمية للاقتصاد القائم على المعرفة، مع التركيز على الإنتاج ذي القيمة المضافة المرتفعة في قطاعات محددة ومتخصّصة، وسنستهدف في هذه المرحلة ستة قطاعات صناعية وهي: الطيران، والسفن البحرية، والصناعات الدوائية والمعدات الطبية، والمعادن المصنعة، والسلع الاستهلاكية سريعة التداول، والآلات والمعدات”.
وقال سموه: “نخطو اليوم إلى مستويات أرقى وأرفع نحو المستقبل الذي نعمل على بنائه جميعاً الآن، وتأكيداً لنهج التميز الذي طالما سارت عليه دولتنا. نضع اليوم إطار العمل الأساسي الذي يوظف موقعنا الاستراتيجي وما نمتلك من بنى تحتية متطورة وقدرة على استشراف المستقبل وطموح وثقة وخبرة في التطوير والتميز لننافس الدول المتقدمة ببناء القطاع الصناعي وتطوير الكفاءات والكوادر، ونقترب خطوة أخرى من تحقيق الهدف المتمثل في جعل دبي مركزاً اقتصادياً عالمياً ووطناً لأفراد مبدعين وممكنين والمكانُ المفضل للعيش والعمل، تحقيقاً لأهداف خطة دبي 2021”.
جاء ذلك خلال إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم “استراتيجية دبي الصناعية” التي تهدف لأن تكون دبي منصة عالمية للصناعات القائمة على المعرفة والابتكار والاستدامة، بحضور سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، وسمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي.
كما حضر إطلاق الاستراتيجية سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس هيئة الطيران المدني في دبي الرئيس الأعلى لمجموعة طيران الإمارات رئيس لجنة التنمية الاقتصادية، ومعالي محمد عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل، ومعالي سلطان سعيد المنصوري، وزير الاقتصاد، ومعالي محمد إبراهيم الشيباني، مدير عام ديوان صاحب السمو حاكم دبي، وسلطان أحمد بن سليم، رئيس مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة، وعدد من كبار القيادات الاقتصادية والتنفيذية في دبي.
مرحلة النضج
وقد قام بإعداد استراتيجية دبي الصناعية الجديدة فريق عمل مشترك بين المنطقة الحرة لجبل علي “جافزا” ومجمع دبي الصناعي في مدينة دبي لتجارة الجملة وبإشراف ودعم من الأمانة العامة للمجلس التنفيذي وإشراك أكثر من 25 جهة حكومية والقطاع الخاص، حيث تهدف الاستراتيجية إلى نقل دبي من مرحلة النمو إلى مرحلة النضوج على مستوى التطور الصناعي وتطور الأنظمة الاقتصادية من خلال وضع سياسات صناعية بعيدة الأمد
وتنفيذها بما يعزز التنافسية والاستدامة للقطاع الصناعي في دبي ومناطقها الحرة.
وتحدد الاستراتيجية القطاعات الصناعية المستهدفة وتركز على تعزيز الترابط الصناعي وتكامل القطاعات الصناعية وربطها مع المؤسسات التعليمية والبحثية لتحفيز الابتكار والإبداع، بالإضافة إلى تأسيس بيئة استثمارية جاذبة للصناعات الاستراتيجية المستهدفة.
يُذكر أن مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي قد بلغ حوالي 14% في عام 2014، وقد أبدى هذا القطاع مرونة وكفاءة عالية تمثلت في استمرار النمو الإيجابي خلال السنوات السابقة وحتى إبان الأزمة المالية العالمية. ويعتبر قطاع الصناعة من القطاعات الاستراتيجية الرئيسية التي تستهدفها خطة دبي 2021 التي تهدف إلى بناء اقتصادي قوي ومستدام قائم على تنويع مصادر الدخل الوطني وبناء اقتصاد ما بعد النفط.
سباق التقدم الصناعي في العالم
وفي هذا السياق، قال سعادة عبدالله الشيباني، الأمين العام للمجلس التنفيذي: “يأتي إطلاق استراتيجية دبي الصناعية تجسيداً لرؤية سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الرامية لأن تكون دبي محوراً رئيساً في الاقتصاد العالمي وواحدة من المراكز الواعدة والمتميزة عالمياً في مختلف القطاعات والمجالات”.
وأضاف الشيباني: “تعتبر هذه الخطوة اليوم مقدمة لمرحلة جديدة تثبت فيها إمارة دبي جديتها في سعيها لتحتل المركز الأول عالمياً ضمن سباق التقدم الصناعي في العالم، لما يمثله من أهمية استراتيجية لمستقبل دولتنا، وما تلعبه من دور قيادي في تطوير القطاع الصناعي وتعزيز الابتكار في المنطقة ككل، من خلال المشاريع الرائدة والمبتكرة التي تضمن استدامة هذه الأعمال وتطورها مستقبلاً”.
وأشار الأمين العام للمجلس التنفيذي إلى أن استراتيجية دبي الصناعية ترتكز على المعرفة بمفهومها الاقتصادي وتوسيع القاعدة الإنتاجية والبنية الاقتصادية لإمارة دبي مما يعزز من ثقتنا بقدرتنا على تبني مبادرات عالمية وإدارتها وفق أفضل الممارسات العالمية وهو أسلوب متطور تعتمده حكومة دبي في عملها وانعكس من خلال عقد مختبرات الإبداع التي نتج عنها استحداث المزيد من الأفكار المبدعة التي تعكس الجهود المبذولة لتحقيق خطة دبي 2021 وتجسيدها على أرض الواقع.
خمسة أهداف رئيسية
ومن أجل ضمان تحقيق المرحلة الأولى من استراتيجية دبي الصناعية، تم تحديد خمسة أهداف رئيسية لتشكل القاعدة التي سيبنى عليها مستقبل دبي الصناعي، وتمثلت هذه الأهداف بزيادة الناتج المحلي والقيمة المضافة للصناعات التحويلية، وتعزيز محتوى المعرفة والابتكار عبر تحسين إنتاجية الأعمال وزيادة الإنفاق في البحث والتطوير، وأن تكون دبي المنصة الصناعية والوجهة المفضلة للشركات العالمية بزيادة حضور المصانع العالمية في دبي، ودعم توسع الشركات المحلية.
كما تهدف الاستراتيجية إلى تعزيز الصناعات التحويلية التي تراعي البيئة وكفاءة استهلاك الطاقة من خلال الحد من استهلاك الطاقة والحد من التلوث الناتج عن التصنيع ودعم مبادرات الاقتصاد الأخضر، إضافة لاستهداف الاستراتيجية تعزيز مكانة دبي كعاصمة للاقتصاد الإسلامي وتبني المعايير الإسلامية من خلال تطوير قطاع تصنيع المنتجات الإسلامية في دبي، ورفع عدد الشركات المصنعة لمنتجات الحلال المطابقة للشريعة.
إلى جانب ذلك، حددت الاستراتيجية ستة قطاعات أساسية وهي الطيران، والسفن البحرية، والصناعات الدوائية والمعدات الطبية، والمعادن المصنعة، والسلع الاستهلاكية سريعة التداول، والآلات والمعدات. وتم تحديد هذه القطاعات الستة من خلال منهجية علمية حيث عمل فريق الاستراتيجية على دراسة توافق القطاعات المرشحة مع الأهداف الاستراتيجية للإمارة والجدوى الاقتصادية لهذه القطاعات من خلال تقييم توقعات النمو المستقبلي لها وإمكانية تصدير منتجاتها واضعين بالاعتبار تنافسية إمارة دبي وجاذبية السوق المحلي والعالمي. وأخيراً تم تحديد هذه القطاعات الستة وفقاً لمدى مساهمتها في تحقيق الأهداف الاستراتيجية وأثرها الاقتصادي على المدى المتوسط والبعيد.
قطاع الطيران
وتبرز الاستراتيجية الدور المحوري الذي ستلعبه دبي في صناعة الطيران من خلال تصنيع قطع غيار الطائرات، وتقديم خدمات الصيانة والتصليح لخدمة أعداد الطائرات الكبيرة التي تحط في مطارات الدولة مع تحولها لأحد أبرز مراكز الطيران على مستوى العالم، مما سيسهم في رفع القيمة الصناعية المضافة لهذا القطاع، بالإضافة إلى الأثر الكبير على قطاع الطيران من خلال خلق الوظائف وفرص العمل ورفع مستوى البحث والتطوير والمساهمة في جعل دبي مقراً للشركات العالمية.
وتجدر الإشارة إلى تزايد حركة الركاب في دبي بمعدل نمو سنوي مركب بلغ حوالي 11% بين العام 2011 وعام 2014 ليصل عدد الركاب إلى 70 مليون تقريباً، مع العلم أن شركة طيران الإمارات وحدها تملك أسطولاً من 239 طائرة في الخدمة و269 طائرة تحت الطلب، وهي بذلك أكبر شركة للخطوط الجوية في منطقة الشرق الأوسط.
السفن البحرية
تحتل دبي موقعاً عالمياً مميزاً كمركز للتجارة والخدمات البحرية واللوجستية، كما تمتلك خبرة عالية من خلال ما تقدمه الأحواض الجافة العالمية من خدمات ووجود منطقة متخصصة قائمة في مدينة دبي الملاحية ودعم من مجلس دبي للصناعات البحرية والملاحية. ويعد ميناء جبل علي أكبر ميناء بحري في الشرق الأوسط بطاقة استيعابية تصل إلى 21 مليون حاوية نمطية.
وتنطلق الاستراتيجية الصناعية في تركيزها على قطاع السفن البحرية ومنصات التنقيب عن النفط والمنشآت العائمة من مركز دبي البارز في مجال خدمات إصلاح السفن وإمكانية التوسع في أنشطتها لجذب حركة أكبر لمنشآتها. كما تشير الاستراتيجية إلى إمكانيات دبي التي تؤهلها لدخول هذا القطاع عبر صناعة القوارب واليخوت الصغيرة وتسويقها لتلبية احتياجات قطاع السياحة المتنامية في الدولة.
صناعة الأدوية
وتشمل الاستراتيجية قطاع صناعة الأدوية لما له من أهمية حيوية للدولة والمجتمع وللقيمة المضافة الكبيرة له وإسهامه في تطوير المهارات والكفاءات وبناء قدرات الأبحاث والتطوير. ومع تدني الإنتاج الإقليمي حيث يتم استيراد 80% من المنتجات الدوائية المستهلكة في دول الخليج، توجد فرصة كبيرة لتطوير هذا القطاع الاستراتيجي وتنميته. وتركز الاستراتيجية في المرحلة الأولى على قطاع تصنيع المستحضرات الطبية التجميلية حيث تمتلك دبي سوقاً عالمياً نشطاً لهذه المستحضرات. كما يمكن لدبي أن تستفيد من النمو الذي تحققه سوق صناعة الأدوية ومستحضرات التجميل الحلال في تعزيز دور دبي في الاقتصاد الإسلامي لتصبح دبي مصدراً رئيسياً للمستحضرات الطبية التجميلية في منطقة الشرق الأوسط.
وسوف يسهم التركيز على قطاع المستحضرات الطبية التجميلية في زيادة الاستثمار في البنية التحتية للبحث والتطوير وإعداد الكفاءات والقدرات للمراحل التالية والانتقال إلى الصناعات الدوائية التي تحتاج إلى قوى عاملة عالية المهارة وإمكانات تقنية وبحثية متقدمة.
قطاع السلع الاستهلاكية سريعة التداول: الأغذية والمشروبات
كما تناولت الاستراتيجية صناعة الأغذية والمشروبات حيث بلغ حجم السوق العالمية لصناعة الأغذية والمشروبات 4 تريليون دولار أمريكي تقريباً في العام 2014، بينما بلغت صادرات دبي لهذه الصناعات 13 مليار دولار (47.7 مليار درهم).
ومع اعتماد دول الخليج على الاستيراد لتلبية 70% من إجمالي احتياجاتها من الأغذية والنمو المتوقع للقطاع بمعدل سنوي مركب يتجاوز 3% حتى عام 2030، تبرز قدرة دبي على القيام بدور محوري في هذا القطاع حيث تمتلك جميع الإمكانيات لذلك بما في ذلك البنية التحتية المتطورة وموقعها الاستراتيجي وارتباطها بدول المنطقة والعالم من خلال شبكة مطاراتها وموانئها مما يساعد في تسهيل عملية الدعم والإمداد وهو ما يعتبر من أهم مقومات نجاح هذا القطاع. كما تتفوق دبي في بيئتها التشريعية والتنظيمية التي تدعم الشركات، فضلاً عن سهولة ممارسة الأعمال فيها.
وتركز الاستراتيجية على الاستفادة من تزايد الطلب على الأغذية وخاصةً المنتجات الحلال التي تشكل دبي مركزاً عالمياً لإنتاجها وتسويقها مما يعزز من موقع دبي كعاصمة للاقتصاد الإسلامي على المستوى الإقليمي والدولي من خلال التوسع في قطاعات جديدة لتصبح دبي مركزاً إقليمياً وعالمياً لتصدير المنتجات الغذائية الحلال المبتكرة والعالية الجودة.
المعادن المُصنَّعة
تضم دبي واحداً من أكبر مصاهر الألمنيوم في العالم وتعتبر دولة الإمارات من أكبر المصدرين العالميين للألمنيوم حيث تصدر ما يقدر بـ 88% من إنتاجها البالغ 2.4 مليون طن سنوياً في حين بلغت قيمة السوق العالمي للألمنيوم 421 مليار دولار أمريكي تقريباً في العام 2014. وتشير الدراسات التي اعتمدت عليها استراتيجية دبي الصناعية إلى أن دبي تمتلك الفرصة والإمكانية لرفع طاقتها الإنتاجية في مجال المعادن المصنعة من خلال قاعدتها الحالية في إنتاج الألمنيوم عبر تطوير الأنشطة المتصلة
بتصنيع منتجات الألمنيوم النهائية وشبه النهائية مما سيساهم في زيادة ناتج العمليات الحالية للمصاهر، كما ستساهم صناعة منتجات الألمنيوم النهائية في تعزيز وصول المنتجين المحليين إلى مستويات عالمية، وفي جذب العملاء والمستثمرين المختصين في مجال صناعة السيارات والطائرات على وجه الخصوص.
الآلات والمعدات
وتشير الاستراتيجية إلى أن قطاع الآلات والمعدات يعتبر قطاع التصنيع الفرعي الأكبر في دبي، إذ يشكل حوالي 25% من الناتج المحلي للصناعة. ويقدم هذا القطاع فرص توسع محددة لدبي خاصةً وأنها تعتبر من الأسواق النشطة في مجال البناء والتشييد.
75 مبادرة استراتيجية
وحددت الاستراتيجية 75 مبادرة رئيسية لتحويل دبي لمنصة عالمية للصناعات القائمة على المعرفة والابتكار والاستدامة، حيث من المتوقع أن تسهم الاستراتيجية في زيادة في الناتج المحلي الإجمالي للإمارة بمقدار 160 مليار درهم بحلول 2030.
البيان