عائشة سلطان

منذ ما يقارب السبع سنوات، اتصل بي الأستاذ مدرس اللغة العربية في المدرسة الفرنسية بأبوظبي، وبعد حديث قصير عن التعليم والطلاب والطريقة التي يحاول بها المعلمون ربط الجيل الجديد بلغته وثقافته وبالقراءة، طلب مني أن ألتقي بطلاب المدرسة الفرنسية وأتحدث إليهم، فهم يتابعون مقالاتي ويقرأونها، لقد كانت الدعوة مفاجئة بالنسبة لي، لذلك ترددت في قبولها بداية الأمر، فماذا يمكن لكاتب يكتب في جريدة محلية عربية أن يقوله لطلاب صغار يلثغون بالراء على الطريقة الفرنسية وتقع العربية في آخر قائمة اهتماماتهم ؟
لم أشأ أن أخيب طلب المعلم فوافقت، ثم تحمست كثيراً، وذهبت في اليوم التالي مدفوعة بفرح غامر بعد أن تلقيت رسالة إلكترونية من إحدى طالبات المدرسة، بعد أن أكملت قراءتها قررت على الفور أن ألتقي بتلك الطالبة أولاً وبزملائها الحريصين على متابعة مقالات لطالما اعتقدت أنه لا يقرأها إلا الكبار، لكن بدا لي من رسالة «ميرة» أن الأمر مختلف وأن الجلوس مع هؤلاء الطلاب الصغار تجربة مثيرة تستحق عناء المشوار من دبي إلى أبوظبي في السابعة صباحاً، وقد ثبت لي في نهاية اليوم أنها كانت كذلك !
كانوا طلابا مختلفين ينتمون لثقافات متنوعة، ويتلقون تعليماً عالي المستوى على أيدي معلمين من بلدان عديدة. الفرنسية كانت سيدة الموقف لكن العربية لم تغب أبداً، وكانت ميرة بطلة المشهد، طالبة في الصف التاسع بالكاد تلامس عامها الخامس عشر، كانت قد ألمت وأعدت لكل شيء، حتى الفيلم القصير حول الكاتبة ومقالاتها وسيرتها، كانت عربيتها لا تقل عن فرنسيتها والى جانبهما كانت تجيد الإنجليزية بطلاقة والإسبانية، أما بالنسبة لي فقد كانت «ميرة» النموذج الرائع لجيل تمنيت أن تنجح كل مؤسسات التربية والتعليم عندنا في إعداده ليقود الإمارات في السنوات المقبلة التي كان يبدو أنها تنبئ بالكثير من التحديات، قلت لها سيكون لك شأن كبير ولن يمر زمن حتى تحظي بما يناسب هذه المهارات التي تتمتعين بها.
حين عدت كتبت مقالاً عن تلك التجربة الحياتية المليئة بالإيجابية والتفاؤل نشر في اليوم التالي، ثم مرت الأيام ومر العمر، ذهبنا في طرق مختلفة وبقيت الأمنيات والأحلام والتذكارات، كبرنا وكبر أولئك الصغار، وإذا بي منذ يومين أسمع صوت «ميرة» مجدداً، اتصلت بي لتقول لي بوفاء وفرح جميلين: «ربما لن تتذكريني أنا ميرة الطالبة التي التقيتها في المدرسة الفرنسية منذ سبع سنوات، أردت أن أشكرك»! لقد اختيرت ميرة واحدة من المساعدات في مكتب وزيرة الشباب الإماراتية، كانت ولا تزال تحتفظ بذلك المقال وبتلك الروح ذاتها.
هذا الجيل يستحق أن نراهن عليه، وتستحقه الإمارات فعلاً.

البيان