في تطور تصعيدي ضد بريطانيا، عارضت دول الاتحاد الأوروبي فتح أي مفاوضات غير رسمية مع الحكومة البريطانية بشأن خروجها من الاتحاد ما لم تقدم لندن طلباً رسمياً بذلك وفقاً للمادة رقم 50 من اتفاقية لشبونة المتعلقة بالعضوية.. فيما تراجعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن مد يد العون لبريطانيا بتأكيد أنها لن تحظى بمعاملة تفضيلية، وجاء ذلك بالتزامن مع مطالبة رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بالتحرك في أسرع وقت ممكن لتوضيح المسار الذي سوف تسلكه بلاده بعد الاستفتاء، فيما أشار الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أن خطى الوحدة الأوروبية الشاملة ربما توقفت في الوقت الحالي.
وعقد رؤساء دول وحكومات بلدان الاتحاد الأوروبي، أمس، قمة في بروكسل بمشاركة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حضوا خلالها بريطانيا على بدء إجراءات خروجها من الاتحاد بدون إضاعة الوقت بسبب المخاطر التي تواجهها الأسواق، وأن يسعوا إلى دراسة هذا التغيير وتجنب انتقال العدوى إلى دول أخرى. حيث استبعدوا أي مفاوضات مع لندن ما لم تقدم طلباً رسمياً للانسحاب من الاتحاد، وقالوا لن تكون مفاوضات قبل أن يتسلم المجلس الأوروبي طلباً رسمياً بريطانياً بالخروج من الاتحاد.
واقترح رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك خلال القمة أن يعقد قادة الاتحاد مباحثات غير رسمية في سبتمبر المقبل لمناقشة خروج بريطانيا من الاتحاد.
وقال توسك إن المباحثات غير الرسمية التي اقترح إجراءها في سبتمبر المقبل قد تتم في العاصمة السلوفاكية براتسلافا عاصمة، التي سوف تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي. وقال مصدر أوروبي رفض الكشف عن اسمه إن الاجتماع لن يشمل بريطانيا.
إلى ذلك، طالب برلمان الاتحاد الأوروبي بريطانيا بتفعيل آلية انسحابها من الاتحاد الأوروبي الواردة ضمن معاهدة لشبونة بأسرع ما يمكن من أجل »تجنب أي ارتياب قد يكون مسيئاً ولحماية وحدة الاتحاد«.
وفي قرار اعتمد بغالبية 395 صوتاً مقابل 200، أكد النواب الأوروبيون أيضا أن »الرغبة التي عبر عنها الشعب البريطاني يجب أن تحترم بشكل كامل وبدقة«.
إلى ذلك، قال كاميرون إن بلاده غير مستعدة الآن للشروع في الإجراءات الرسمية للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، مشددا على أن تفعيل المادة 50 وتقديم طلب رسمي بالانسحاب من الاتحاد منوط بمن سيخلفه في منصب رئيس الوزراء الجديد قبل نهاية الخريف المقبل.
وأعلن رئيس الوزراء البريطاني أنه يريد أن تكون العلاقة بين بلاده والاتحاد الأوروبي وثيقة إلى أقصى حد وأن يكون الانفصال بناء قدر الإمكان، بعد قرار الخروج من الكتلة الأوروبية. وشدد كاميرون »يجب ألا نتخلى عن أوروبا«.
وأبلغت ميركل بريطانيا أمس، في موقف يعكس لهجة تشدّدية غير مسبوقة، أنه ليس بإمكانها انتقاء الأجزاء التي تريدها من الاتحاد الأوروبي مثل السوق الموحدة دون قبول مبادئ مثل حرية الانتقال عندما تتفاوض على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وأكدت ميركل، أمام مجلس النواب الألماني (البوندستاغ)، أن لندن لن تحظى بمعاملة خاصة. وأضافت أنّه »ينبغي أن يكون هناك فرق ملحوظ بين دولة ترغب في أن تكون عضوا بأسرة الاتحاد الأوروبي وأخرى لا ترغب في ذلك«، وتابعت في لهجة أكثر صرامة مما كانت عليه في الأيام القليلة الماضية »من يرغب في أن يترك هذه العائلة لا يمكنه أن يتخلى عن كل مسؤولياته ويحتفظ لنفسه بالمزايا«.
ووسط هذه التطورات، حذر الرئيس الأميركي باراك أوباما من »هيستيريا« مالية عالمية بعد تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، مضيفاً أن خطى الوحدة الأوروبية الشاملة ربما تكون توقفت في الوقت الحالي لكن من المستبعد حدوث تغييرات كارثية. وقال أوباما في تصريح صحافي: »حدثت بعض الهيستيريا بعد اقتراع بريطانيا كما لو أن حلف شمال الأطلسي اختفى بشكل ما والتحالف عبر الأطلسي انفصمت عراه وكل دولة تهرع لزاوية خاصة بها. لكن هذا ليس ما يحدث«.
تجنب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر استخدام اللغة الإنجليزية في كلمته أمس أمام البرلمان الأوروبي بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وجرت العادة أن يستخدم يونكر الإنجليزية حتى ولو خلال جزء من خطبه البرلمانية غير أنه لم يتحدث خلال الكلمة سوى بالألمانية والفرنسية، رغم أن الإنجليزية إحدى اللغات الرسمية للاتحاد الأوروبي. غير أن يونكر استخدم لغة المملكة المتحدة عندما أراد مخاطبة المعارض البريطاني اليميني نايجل فاراج، قائلاً له بالإنجليزية: »فوجئت بوجودكم هنا، لقد كافحتم من أجل الخروج، لقد صوت المواطنون لصالح الخروج، لماذا أنتم هنا؟«.
وأكد مسؤولون أوروبيون أن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي يخاطر بإضعاف الاستراتيجية الدفاعية الجديدة في أوروبا، وذلك قبل أيام من توقيع حكومات حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي اتفاقا تاريخيا للتصدي لمجموعة من التهديدات من روسيا إلى البحر المتوسط.
ويعتزم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة استغلال قمتين منفصلتين يعقدهما الاتحاد وحلف الأطلسي في الأيام المقبلة لدفع إصلاحات في المؤسستين اللتين تمثلان عماد الأمن الرئيسي للغرب بهدف تقليص اعتماد أوروبا على واشنطن.
وقال مسؤول دفاعي غربي كبير يشارك في التعاون بين المؤسستين »ستصبح الأمور أصعب كثيرا. حلف شمال الأطلسي خطط لربط نفسه باتحاد أوروبي أقوى لا أن يصبح هو الخيار التلقائي لتكتل ضعيف مقسم«.
وقبل الاستفتاء البريطاني على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي كانت الولايات المتحدة تتطلع لبريطانيا حليفتها الرئيسية في أوروبا لكي تصبح جسرا بين الحلف والاتحاد الأوروبي. وكان الهدف من ذلك السماح لواشنطن بالتركيز على المشاكل الأخرى بما في ذلك حركة طالبان في أفغانستان والدور العسكري الصيني في جزر بحر الصين الجنوبي.
وأطلعت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني زعماء الاتحاد أمس على خطة استراتيجية عالمية خمسية، وأكدت ان على الاتحاد الأوروبي أن يتصرف باستقلال إذا اقتضت الضرورة في مواجهة تزايد جرأة روسيا وأزمة الهجرة وانهيار دول على أعتابهم.
ويقول الدبلوماسيون إن تلك الخطوة الرمزية التي تحث الحكومات على تنسيق الإنفاق الدفاعي تحظى بدعم قوي من ألمانيا وفرنسا. لكنها ستبدو فارغة من المضمون دون بريطانيا صاحبة أكبر ميزانية دفاعية في الاتحاد الأوروبي.
وبريطانيا واحدة من خمس دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تملك الموارد التي تمكنها من تنفيذ عملية عسكرية في الخارج لحساب الاتحاد وهي مساهم رئيسي للعمليات التي يقودها الاتحاد وتسدد نحو 15 في المئة من التكاليف وتخصص عتادا لتلك العمليات.
كما تقود بريطانيا عملية »اتلانتا« التي ينفذها الاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة قبالة القرن الأفريقي، ولها سفن تجوب البحر المتوسط وتلتزم بتخصيص قوات للمشاركة في المجموعات القتالية للاتحاد الأوروبي، رغم أن ذلك لم يحدث من قبل. وستشمل المقترحات التي تطرحها موغيريني على قادة الاتحاد الأوروبي دعوة للمهام التي يقودها الاتحاد للعمل مع حرس حدود أوروبي جديد للحد من تدفقات المهاجرين. وربما يكون ذلك أصعب دون السفن البريطانية.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج »ما تفعله بريطانيا له أهميته. فبريطانيا هي أكبر مشارك أمني في أوروبا«، لكن بريطانيا كانت تخشى خططا لتشكيل جيش للاتحاد الأوروبي وقاومت توثيق التعاون الدفاعي الأوروبي. وقال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون »لا أحد يريد أن يرى قواته تحت سيطرة بروكسل«.
ويأمل البعض أن تتمكن فرنسا وألمانيا -بدون أن تعطل لندن خطط الاتحاد- من قيادة ما تراه برلين »اتحادا دفاعيا مشتركا«. وقد أيدت فرنسا فكرة إقامة مقر قيادة عسكرية للاتحاد الأوروبي بخلاف حلف شمال الأطلسي لإدارة المهام.
في غضون ذلك، سيعمل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي على تعزيز التعاون المتنامي بينهما من بحر البلطيق إلى بحر إيجه في قمة يعقدها حلف شمال الأطلسي في وارسو الشهر المقبل.

البيان