علي أبو الريش
نقرأ الواقع الإنساني، ونشاهد هذا الانحراف في الزوايا الحادة، ونرى بعقولنا أن الدين الإسلامي الحنيف حرم من أداء وظيفته السامية على يد مغالين، متطرفين، طارفين، مرتجفين، حوّلوا مسار النهر الإسلامي إلى غابات موحشة واستطاعوا في غفلة من الزمن أن ينصبوا أنفسهم ولاة بعصي مكهربة، ونصبوا رموزاً لهم، باعتبارهم السقف الذي لا يرتقى، والسارية التي لا تطال، فصار اللغو وصار اللهو، وصار العبث في أعظم رسالة سماوية، نالتها البشرية، هؤلاء المغالون، إنما هم حالات عصابية ونرجسية فتاكة تسلقت وتسلكت وتوغلت في نسيج المجتمعات، وصبغت الدين الحنيف بصفة المداهنة والمراهنة والمداهمة والمفاقمة، ما جعل الفكر الإنساني يخوض معارك خاسرة وسط ساحات ملغمة بالفحشاء والمنكر لأن النرجسيين يريدون أن يلونوا الدين بلون وجدانهم الحالك، وأن يشكلوا القيم الإسلامية كما هي عقولهم المضطربة الخربة التي تعاني هوس الانقلاب على الحقائق.. فعندما يتخلى الإنسان عن عقله فإنه يركب زورقاً مثقوباً.. يغرَق ويُغرِق معه الآخرين، وتصبح الحياة مجرد سائل مائي بدرجة حرارة تفوق تحمل البشر.. فالعقل هو المقياس وهو المتراس.
يقول ابن رشد «بالعقل نصل إلى العلم اليقين، وبالعلم نصل إلى طريق السعادة في هذه الحياة، وما غرض الحياة في هذه الدنيا سوى تغليب العقل على الحواس والأهواء والشهوات، ومتى استطاع الإنسان هذا الأمر الصعب، فقد أدرك السعادة أياً كان مذهبه ودينه»، ولكن المغالين ليسوا معنيين بسعادة الناس، ولا بتطور الإنسانية، هؤلاء كائنات جبلت على التشرنق حول الذات والابتعاد عن نوافذ الغرف المفتوحة، والانسحاق تحت رحى الحقد والكراهية والعدوانية لأنهم لا يجدون أنفسهم إلا من خلال إبادة الآخر والقضاء على حياته.
هؤلاء نشؤوا على فكرة أنا ومن بعدي الطوفان، وهم بطوفان القسوة يحيكون الدسائس، ويرسمون الأفكار السوداوية، ويصيغون واقعهم الخاص بهم، لأنهم وقفوا عند قمة جبل الحقد فيرون الناس صغاراً، بل أحياناً لا يرون شيئاً، ولكن من يفكر هكذا لابد وأن يحتقره الناس وتنبذه الحياة ويلفظه الزمن، ويصبح مثل خنفساء تقاتل من أجل أن تموت.. لذلك فإن عزوتنا ونخوتنا هم أصحاب العقول النيرة الذين يحملون مسؤولية الدين على عاتقهم، ويحفظون التزامهم في قلوب مضاءة بالوعي.
الاتحاد